تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإذا ما تذكرنا أن الأداة التي تصور المعنى الذهني والحالة النفسية وتشخص النموذج الإنساني أو الحادث المروي إنما هي ألفاظ جامدة لا ألوان تصور ولا شخوص تعبر أدركنا بعض أسرار الإعجاز في هذا اللون من تعبير القرآن.

والأمثلة هي القرآن كله حيثما تعرض لغرض من الأغراض التي ذكرناها حيثما شاء أن يعبر عن معنى مجرد، أو حالة نفسية، أو صفة معنوية، أو نموذج إنساني، أو حادثة واقعة، أو قصة ماضية، أو مشهد من مشاهد القيامة، أو حالة من حالات النعيم والعذاب، أو حيثما أراد أن يضرب مثلاً في جدل أو محاجَّة، بل حيثما أراد هذا الجدل إطلاقاً واعتمد فيه على الواقع المحسوس والمتخيل المنظور.

وهذا هو الذي عنيناه حينما قلنا: " إن التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن " فليس هو حلية أسلوب، ولا فلتة تقع حيثما اتفق إنما هو مذهب مقرر، وخطة موحدة وخصيصة شاملة، وطريقة معينة، يفتن في استخدامها بطرائق شتى، وفي أوضاع مختلفة، ولكنها ترجع في النهاية إلى هذه القاعدة الكبيرة: قاعدة التصوير.

ويجب أن نتوسع في معنى التصوير، حتى ندرك آفاق التصوير الفني في القرآن. فهو تصوير باللون وتصوير بالحركة، وتصوير بالتخييل كما أنه تصوير بالنغمة تقوم مقام اللون في التمثيل. وكثيراً ما يشترك الوصف والحوار، وجرس الكلمات، ونغم العبارات، وموسيقى السياق، في إبراز صورة من الصور، تتملاها العين والأذن والحس والخيال والفكر والوجدان.

وهو تصوير حي منتزع من عالم الأحياء، لا ألوان مجردة وخطوط جامدة تصوير تقاس الأبعاد فيه والمسافات بالمشاعر والوجدانات. فالمعاني ترسم وهي تتفاعل في نفوس آدمية حية أو في مشاهد من الطبيعة تخلع عليها الحياة."

انظر لهذه المصطلحات:

1 - المشهد، 2 - الصورة، 3 - التي يرسمها، 4 - لوحة، 5 - المشاهد

6 - القصص، 7 - الحوار، 8 - النظارة، 9 - المسرح، الأداة التي تصور،10 - الحادث المروي، وألحق بها: 12 - الجرس، 13 - الموسيقى، 14 - السينما، 15 - الإيقاع، 16 - والجرس، 17 - والنغمات، 18 - والريشة المبدعة ص (251)، 19 - وعدسة التصوير.

هذه مصطلحات تقوم عليها أعمال كلها تسخط الله وتحطم الأخلاق والدين يشرف عليها مؤسسو دور السينما والمسارح ويؤلفو القصص والتمثيليات، فيها أحط الناس ديناَ وأخلاقاً قد يكونوا يهوداً وقد يكونوا نصارى وقد يكونوا ملاحدة زنادقة ولهم أهداف خبيثة من إفساد عقول الناس ودينهم وأخلاقهم وعاداتهم وتقاليدهم الطيبة التي لا تتنافى مع الإسلام، إلى جانب الأهداف المادية التي يجنون من ورائها الملايين، وسيد قطب فيما أعتقد يعرف كل هذا بعد معرفته بهذه الدور وما حوته ومعرفته بنوعيات البشر التي ترتاد هذه الدور وهم النظارة، والمستمعون بأنهم في الغالب من أحط طبقات البشر وأن أشراف الناس رجالاً ونساءً يربئون بأنفسهم عن هذه الدور وما فيها من مسارح وسينما ومن فيها من نظارة ومستمعين، الغارقين في الملاذ والشهوات والعبث وتضييع الأوقات والصلوات فيما يسخط الله.

فلماذا يستخدم هذه المصطلحات الخسيسة الحقيرة هي وأهلها ودورها وفنانوها والروائيون والمطربون والمغنون والراقصون من أهلها والراقصات من أهلها، لماذا يجعل كتاب الله العظيم مجالات لمصطلحات هذه الدور الخبيثة هي ومؤسسوها والمشرفون عليها وروادها؟

إذا كان لا بد له من تطبيق هذه المصطلحات المندرجة تحت قاعدته التصوير الفني فليختر ما شاء من أشعار وإلياذات وقصص البشر سواءً كانوا من الروائيين أو شعراء أوربيين أو ممن قلدهم من غيرهم من عرب وعجم من المنحرفين.

وكان عليه أن ينزه القرآن العظيم كلام رب العالمين من هذه القاعدة الفنية وما بنى عليها من تطبيق هذه المصطلحات التي لا يعرفها العرب الذين نزل القرآن بلغتهم فلا يعرفون المسارح والسينما وما فيها من مشاهد وتمثيليات ولا يعرفون الموسيقى وقواعدها وأنواعها فما علاقة هذه الأمور بالقرآن الذي جعله سيد قطب كله مجالاً لها مع الأسف الشديد.

ولكن الحال السيئة التي اختارها لنفسه وجاهر بها بقوله:" وأنا أجهر بهذه الحقيقة الأخيرة وأجهر معها بأنني لم أخضع في هذا لعقيدة دينية تغل فكري عن الفهم " التصوير الفني ص (255). وإذا كان هذا حاله وهذا اعترافه هو بنفسه فأي شيء يقف أمامه وأي شيء يحجزه؟.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير