معبداً ساحراً مباخِرُهُ الزَّه ... رُ على الصَّخرِ والثَّرى والغُصونِ
كلُّ زهرٍ يَضُوعُ منهُ أَريجٌ ... من بخُورِ الرَّبيعِ جَمُّ الفُتونِ
ونجومُ السَّماءِ فيهِ شموعٌ ... أَوْقَدَتْها للحُبِّ روحُ القُرونِ
وطغى السِّحْرُ والغرامُ بقلبي ... فتوسَّلْتُ ضارعاً بجفوني
طهِّري يا شقيقَةَ الرُّوحِ ثَغري ... بلهيبِ الحَيَاةِ بلْ قَبِّليني
إنَّ نارَ الحَيَاةِ والكوثرَ المن ... شودَ في ثغرِكِ الشَّهيِّ الحزينِ
فهو كأسٌ سِحْرِيَّةٌ لرحيقِ ال ... خُلْدِ قَدْ صاغَها إلهُ الفنونِ
قبِّليني وأَسْكِري ثغريَ الصَّا ... دي وقلبي وفِتنتي وجنوني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يا إلهَ الوُجُودِ هذي جِراحٌ ... في فُؤادي تَشْكو إليكَ الدَّواهي
هذهِ زفرةٌ يُصَعِّدها الهمُّ ... إلى مَسْمَعِ الفَضَاء السَّاهي
هذهِ مُهْجَةُ الشَّقاءِ تُناجيكَ ... فهلْ أَنْتَ سامعٌ يا إلهي
أَنْتَ أَنْزَلْتَني إلى ظُلْمَةِ الأَرضِ ... وقَدْ كنتُ في صباحِ زَاهِ
كالشُّعاعِ الجميلِ أَسْبَحُ في الأُفْقِ ... وأُصْغي إلى خَريرِ المياهِ
وأُغنِّي بَيْنَ اليَنابيعِ للفجرِ ... وأَشدو كالبلبلِ التَّيَّاهِ
أَنْتَ أوصَلْتَني إلى سُبُلِ الدُّنيا ... وهذي كثيرَةُ الاشْتِباهِ
ثمَّ خَلَّفْتَني وحيداً فريداً ... بَيْنَ داعٍ من الرِّياحِ ونَاهِ
أَنْتَ أوقفتني على لُجَّةِ الحُزْنِ ... وجَرَّعتني مَرارَةَ آهِ
أَنْتَ أنشأْتني غريباً بنفسي ... بَيْنَ قومي في نَشْوَتي وانتباهي
أَنْتَ كرَّهْتَني الحَيَاةَ وما فيها ... وحبَّبْتَني جُمودَ السَّاهي
أَنْتَ جَبَّلْتَ بَيْنَ جنْبيَّ قلباً ... سَرْمَديّ الشُّعورِ والانتباهِ
أَنْتَ عذَّبتني بَدِقَّة حِسِّي ... وتعقَّبْتَني بكُلِّ الدَّواهي
بالأَسى بالسَّقام بالهمِّ بالوحشة ... باليأسِ بالشَّقا المُتناهي
بالمنايا تَغْتال أَشْهى أَمانيَّ ... وتُذوي محاجري وشِفاهي
فإذا مَنْ أُحِبُّ حُفْنَةُ تُرْبٍ ... تافهٍ مِنْ تَرائبٍ وجِبَاهِ
وإذا فتنةُ الحَيَاة وسِحْرُ الكونِ ... ضَرْبٌ من الغَمامِ الزَّاهي
يتلاشى فَوْقَ الخضَمِّ ويبقى ال ... يَمُّ كالعهدِ مُزْبدُ الأَمواهِ
يا إله الوُجُود مَا لَكَ لا ... ترثي لحُزْنِ المُعَذَّبِ الأَوَّاهِ
قَدْ تأَوَّهْتُ في سكونِ اللَّيالي ... ثمَّ أَطبقتُ في الصَّباحِ شِفاهي
وَتَغَزَّلْتُ بالحَيَاةِ وبالحبِّ ... وغنَّيتُ كالسَّعيدِ اللاَّهي
وزَرَعْتُ الأَحلامَ في قلبيَ الدَّا مي ... وحوَّطْتُها بكلِّ انتباهي
ثمَّ لمَّا حَصَدْتُ لمْ أَجْنِ إلاَّ ... الشَّوكَ مَا تُرى فعلتُ إلهي
يا رِياحَ الوُجُود سيري بعنفٍ ... وتغنِّي بصَوْتِكِ الأَوَّاهِ
وانفحيني مِنْ روحِكِ الفَخْمِ مَا ... يُبْلغُ صَوْتي آذَانَ هذا الإِلهِ
فهْو يُصغي إلى القويِّ ولا يُصغي ... لصَوتٍ بَيْنَ العَواصِفِ واهِ
وانثُري الوَرْدَ للثُّلوجِ بدَاداً ... واصعقي كلّ بُلبلٍ تَيَّاهِ
فالوُجُودُ الشقيُّ غيرُ جديرٍ ... بالأَغاني وبالجمالِ الزَّاهي
واسحقي الكَائِناتِ كوْناً بكَوْنٍ ... قبل أنْ تنتهي أذلّ تَنَاهِ
فالإِلهُ العَظيمُ لم يخلُقِ الدُّنيا ... سِوَى للفناءِ تَحْتَ الدَّواهي
يا ضميرَ الوُجُود يا عالمَ الأَروا حِ ... يا أَيُّها الفضاءُ السَّاهي
يا خضَمَّ الحَيَاةِ يَزْخَرُ في الآ فاق ... في التُّرْبِ في قرارِ المياهِ
خبِّروني هلْ للورى من إلهٍ ... راحمٍ مِثْلُ زَعْمِهِمْ أَوَّاهِ
يَخْلُقُ النَّاسَ باسماً ويواسي ... هم ويرنو لهم بعطفٍ إِلهي
ويرى في وجودهِمْ رُوحَهُ السَّ ... امي وآياتِ فنِّهِ المتناهي
إنَّني لم أجدْهُ في هاتهِ الدُّن ... يا فهلْ خَلْفَ أُفْقِها من إِلهِ
مَا الَّذي قَدْ أَتيتَ يا قلبيَ البا ... كي وماذا قَدْ قُلْتِهِ يا شِفاهي
يا إلهي قَدْ أَنْطَقَ الهمُّ قلبي ... بالذي كانَ فاغتفر يا إِلهي
قَدَمُ اليأْسِ والكآبَةِ داستْ **** قلبيَ المتْعَبَ الغريبَ الواهي
فتشظَّى وتلكَ بعضُ شَظَايَا ... هُ فَسامِحْ قُنُوطَهُ المتناهي
فَهْوَ يا ربِّ مَعْبَدُ الحقِّ ... والإِيمانِ والنُّورِ والنَّقاءِ الإِلهي
وَهْوَ نايُ الجَمالِ والحبِّ والأَح ... لامِ لكنْ قَدْ حَطَّمَتْهُ الدَّواهي
ـ[محمد أبو النصر]ــــــــ[20 - 04 - 2009, 04:52 م]ـ
سيدي أبو سهيل
للأسف أبو القاسم الشابي كانت له أفكار ولغة خارجة عن القيم الدينية قل أنه العبث نعم بل أكثر من هذا
سيدي كثير من الشعراء يتساهلون باستخدام الألفاظ المقدسة وقد يجرحون عقيدتهم بهذا وتظل تنزف أمام أعينهم دون أي حرج بل ويقولون لا دين في الفن
سيدي منذ أسبوع أو أكثر كنت أنا وزميل لي تشرفنا بدعوة أحد الأشخاص لحضور ندوة عن صاحبنا هذا وكان من الحاضرين سفير تونس بمصر ووزير التعليم التونسي السابق ومجموعة من المتخصصين مهنيا وفنيا بقسم الأدب وقمت بالمشاركة وقتها بإلقاء كلمة عن استخدام أبو القاسم الشابي للألفاظ الدينية وبينت مدى تساهله في هذا الأمر لكنني هوجمت من الجميع بفكرة لا دين في الفن
وحاولت أن أحاورهم وأجادلهم بفكرهم ولغتهم بأن الشعر فن ولكل فن قواعد ومن يحيد عنها يخرج عن نطاق الفن فالفن ليس عبثا بل هو مقتصر على أربابه وإذا كان للفن قواعد فالشاعر أولى له أن يرسم لنفسه قواعد ا وإطارا ولا نجد أمامنا سوى الدين ليكون منهجنا في الحياة
الكلام كثير في هذا سيدي
محمد أبو النصر
حفيد العقاد
مصر - القاهرة - المرج