تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فاقنع بما قسم المليك فإنما

قسم الخلائق بيننا علامها

وإذا الأمانة قسمت في معشر

أوفى بأوفر حظنا قسامها

إن مصطلحات سن سنة وإمامها، والهوى، هي إسلامية وكذلك المليك والعلام والقسام وهي من الأسماء الحسنى للفظ الجلالة.

فالمسألة في معلقة لبيد إذن ليست مسألة ظاهرة فنية كالتذييل الذي يكثر ويتعدد في المعلقة، بل يتعدى ذلك إلى مفاهيم إسلامية بعينها يستبعد بعضهم أن يكون لبيد السابق إليها بهذا الوضوح وهذا التميز الذي لا يفارق صوت الإسلام ونبرته. ويرى آخرون إسراع لبيد إلى الإسلام دلالة على نزعة حنيفية واضحة جاء الإسلام ليكشف عنها ويؤكدها.

يعتقد المستشرق الفرنسي "كليمانت هوارت" أن الشعر الجاهلي بما فيه من قصص الأنبياء كقصة الطوفان نوح والحمامة وقصة صالح والناقة وغيرهما، لعب دور الوسيط بين الكتب الدينية المقدسة التي سبقت القرآن زمنياً، كالتوراة والإنجيل والنسق القرآني الجديد. إلا أننا نلاحظ أن قصة صالح والناقة ليست توراتية بل هي عربية المصدر، وتتصل بتاريخ العرب قبل الإسلام. وان الإسلام قد استوعب ديانات التوحيد التي جاءت قبله كما استوعب الحضارات ومعارفها. أما موقف طه حسين فيعكس مقولة "كليمانت هوارت" فيجعل الشعر الذي يحوى هذا القصص كشعر أمية بن أبي الصلت وغيره مستمداً من القرآن الكريم بعد ظهور الإسلام لا قبله ويجعل ذلك برهاناً قاطعاً على نحل مثل هذا الشعر لأسباب دينية. وكذلك الجاحظ في كلام له عن عدي بن زيد العبادي يذكر تأثره بالكتب الدينية لأنه كان على النصرانية وهذا في رأينا يستحق التمحيص والتحري لأنه يحرم العرب من القدرة على تصورات دينية متقدمة وقد تجسدت في الحنيفيّة تجسداً واضحاً وهي حقيقة تاريخية لكن طه حسين ومارجليوث على اختلافهما في طرق الاستدلال على قضية النحل في الشعر الجاهلي يتفق موقفهما على إنكار الشعر الجاهلي ورفضه لكونه على ما يعتقد أن من صنع الرواة الإسلاميين على طراز نماذج شعرية جاهلية معدلة بما يتفق مع الطابع الإسلامي ([3]).

كما يحلو لبعض المستشرقين أن يؤكد على فكرة السابق، أي على المعتقدات الدينية في الجاهلية التي مهدت للإسلام كالحنيفية وغيرها كما مهد يوحنا أي يحيى للسيد المسيح. فهل يمكن القول أن التذييل كظاهرة فنية في شعر لبيد وما في هذا الشعر من مصطلحات إسلامية هو من هذا القبيل؟!

المسألة هنا ليست مسألة قصص عبراني أو نصراني وجد سبيله إلى الإسلام لوحدة الوحي لأن الأديان التوحيدية كلها من عند الله. بل نحن هنا في حضرة مفاهيم متميزة لا يمكن عزلها عن سياقها الحضاري والديني ولا يمكن أن تنشأ في غير مناخه ورحمه، فالسنة والإمام والمليك والعلام إلخ. لا يمكن أن تخون أصولها الإسلامية وكذلك التذييل كظاهرة أسلوبية.

ومع ذلك فنحن نعتقد أن معلقة لبيد في أغلبيتها جاهلية في موضوعاتها ولغتها وصورها الفنية وإيقاعاتها الصوتية. وهي أكثر جاهلية من غيرها لتميز لغتها البدوية، وفنها الشعري وخاصة في وصف الناقة واستداراتها التي تنسجم مع النموذج الجاهلي. ولأنها وصلت إلينا عبر قنوات استمرت في الإسلام وصاحبها من المخضرمين الذين امتدت حياتهم إلى العصر الإسلامي.

وينجم عن ذلك كله سؤال مؤرق هل أضاف لبيد أو غيره من الرواة هذه الأبيات التي تشكل قضية بارزة في المعلقة على الأصل الجاهلي, أو نقح ما نقح. وصقل ما صقل من الأبيات الأخرى بما يوافق البيان القرآني الحكيم في مصطلحه ولغته وبعض صوره الفنية.

وأن المعلقة ظلت نصاً مفتوحاً لم يكتمل إلا باكتمال حياة لبيد الشاعر المخضرم الذي عاش العصرين الجاهلي والإسلامي فكان لا بد لروح هذين العصرين من أن يتجليا في شعره بما فيه المعلقة ـ وهذا لعمري أكثر معقولية من الرأي القائل بلبيد كسابق للعقيدة الإسلامية والتي أرهص شعره ببعض مبادئها فلما جاء الإسلام بادر إلى الإيمان به لاستعداده النفسي المسبق لهذا الإيمان.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير