تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أياً ما كان الأمر، يعجبنا من معلقة لبيد أن يقف الإنسان صامداً رغم تغير المكان والحياة من حوله، ولعله يوحي لنا ذلك حين يصف لنا انتصار الظبية الفريسة على الكلاب المطاردة إذ تقتل واحداً منها وتترك الآخر جريحاً في المكر بعد أن تنفذ قرنها السمهري فيه. كما تجلّى لنا أصداء فخره وكرمه وتماسكه أمام رحلة نوار مثل هذا الصمود عندما يترك الإنسان وحيداً بعد ارتحال الأحبة.

الإنسان والطبيعة هذان هما المحوران اللذان يدور عليهما شعر لبيد رغم نبرة الفخر والفخامة اللذين يُوحيان بالبداوة. إننا ما نزال نسمع في شعر البادية اليوم الأصداء عينها التي حكاها لبيد، في شعر الجاهلية، خاصة في الشعر النبطي فالمعلقة ببنيتها العروضية المركبة بالقافية الظاهرة التي تلتزم ثلاثة حروف مؤسسة بحرف المد [آمها] تنتهي أيضاً بحرف المد فيأتي صوت الميم والهاء بين هذين الألفين المطلقتين في فخامة وقوة. ثم إن لبيداً يؤسس لهذه القافية الظاهرة بقافية خفية داخلية تأتي مباشرة قبلها، وتتكون من تناغم الصيغ وتناسبها لا توافق الحروف كما في قوله (محلها فمقامها, غولها فسجامها، حلالها وحرامها إلخ).

ويعكس لنا صوت القصيدة العام وهي من الكامل إيقاع دقات المهباج على حين الكامل في شعر عنترة يحكي خبب الخيل ووقع حوافرها.

خاتمة:

ومع أننا نعترف في خاتمة هذه الدراسة لنص المعلقة أن مسألة السابق مسألة تاريخية استنتجها الدراسون وأنها تحتاج إلى إطلالة جديدة بحثاً وتمحيصاً إلا أنها تؤكد أن ظاهرة التذييل الأسلوبية التي كثرت في معلقة لبيد وقادتنا إلى ما قادتنا إليه من استنتاجات لم تكن شائعة في الشعر الجاهلي ونلاحظ أنها تفردت في تلك المعلقة من بين المعلقات جميعاً مما يؤكد موقفنا واجتهادنا بالدلالات التي أنطناها بهذه الظاهرة.

على عكس ظاهرة الاستدارة التشبيهية التي تجدها في عدد وافر من المعلقات وقدرٍ كبيرٍ من قصائد الجاهليين (طرفة وعنترة والنابغة على سبيل المثال وأستاذنا شكري فيصل كان قد درس هذه الظاهرة وخدم قضيتنها خدمة أكاديمية رائدة. أما التذييل فلم يلتفت إليه النقاد في الشعر الجاهلي لأنه خلاف لشعر لبيد غير موجود, ولأن التذييل ظاهرة قرآنية تسللت إلى الشعر ممّا دفعنا إلى دراسة ذلك في هذه الدراسة المتواضعة.


* باحث سوري جامعي.

([1]) يذهب المستشرق ( Clement Huart) في مقالته التي بعنوان: " Une novvell sourcede de quran" التي نشرها في مجلة " Journal Asiatique" في سنة 1904 صفحة 125 ـ 167 بأن شعراء القرى ولا سيما أمية ابن أبي الصلت وآخرين لعبوا دور السابق للمعتقدات الإسلامية الجديدة بما حملته أشعارهم من مفاهيم وأفكار التراث التوراتي المسيحي. والإسلام كآخر دين توحيدي ولد في ضوء التاريخ يجاهر بإيمانه بأن اله واحد لكل العالمين والوحي واحد. والرسل وكتبهم المنزلة كلهم من عند الله.

إلا أن كليمانت هوّارت وغيره من المستشرقين لا يتكلمون عن سياق الديانات التوحيدية اليهودية والمسيحية والإسلام وحده بل يرون أن كل الأفكار الدينية العظيمة في تاريخ الأديان كان لا بد لها من ممهد وسابق لأنها لا تخرج من رحم التاريخ كلاً واحداً وبناء متكاملاً قبل أن يكون السابق من فكر وغيره قد مهد لها هذا الظهور.

([2]) انظر شرح المعلقات السبع للزوزني، دار الجيل، دون تاريخ، لبنان، ص 124 ـ 162.

([3]) Margoliouth, D. S. "The origins of Arabic poetry royal asiatic society Journal 1925, p p 417- 449.

أكثر من ناقد أشار إلى تأثر طه حسين في الشعر الجاهلي بـ مارغليوث في مقالته هذه, لكن قراءتنا الجديدة لمعلقة لبيد تذهب في مسار آخر.

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[17 - 01 - 2008, 01:06 م]ـ
دراسة ماتعة أخي محمد تستحق الوقوف عندها كثيراُ من محبي المعلقات، بارك الله لك على هذا النقل الجميل نفع الله بك.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير