تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

القرآن (منقول)، والقراءات (علم) و (مذهب)، ولا يحتاج التفريق بين ما هو منقول وما هو مذهب إلى إطالة حديث، فالنقل لا يسمح بتدخل الرأي، ولا يحق للناقل التبديل أو التغيير أو الاختيار، أما في المذهب فله كل ذلك وأكثر، ولذلك فإن علماء القراءات يؤكدون على أن "الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على خط المصاحف والكتب" ([11]) حرصا على ألا يتم التداخل والخلط بين المصطلحين.

قال الزركشي: "واعلم أن القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان.

فالقرآن: هو الوحي المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للبيان والإعجاز.

والقراءات: هي اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في كتابة الحروف، أو كيفيتها، من تخفيف، وتثقيل، وغيرهما" ([12]).

والتفريق بين القرآن والقراءات دفعت إليه إشكالية تتعلق بتواتر القراءات؛ فعلماء القراءات وعلوم القرآن لم يتفقوا على تواتر القراءات، فالقراءات السبع منها - حسب الزركشي - "متواترة عند الجمهور، وقيل: بل مشهورة ....... والتحقيق أنها متواترة عن الأئمة السبعة، أما تواترها عن النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نظر، فإن إسناد الأئمة السبعة بهذه القراءات السبعة موجود في كتب القراءات، وهى نقل الواحد عن الواحد، لم تكمل شروط التواتر في استواء الطرفين والواسطة، وهذا شيء موجود في كتبهم" ([13]).

تواتر القراءات لم يكن مبدأ متفقا عليه عند علماء القراءات وعلوم القرآن، فالمجمع عليه - فقط - هو تواتر القرآن، أما كيفية قراءته فليس من المبادئ المتفق عليها ([14])؛ فبعضهم يعتقد أن تواتر القرآن لا يستلزم تواتر القراءات، لأن الاختلاف في كيفية الكلمة لا ينافي الاتفاق على أصلها، وأن الواصل إلينا بواسطة القراء إنما هو خصوصيات قراءاتهم، وأما أصل القرآن فهو واصل إلينا بالتواتر بين المسلمين، وبنقل الخلف عن السلف، ولا دخل للقراء في ذلك أصلا، ولذلك فإن القرآن ثابت التواتر حتى لو فرضنا أن هؤلاء القراء السبعة أو العشرة لم يكونوا موجودين أصلا ([15]).

وتأسيسا على ذلك فإن "القول بعدم تواتر القراءات السبع لا يستلزم القول بعدم تواتر القرآن .... حيث يصح أن يكون القرآن متواترا في غير القراءات السبع، أو في القدر الذي اتفق عليه القراء جميعا، أو في القدر الذي اتفق عليه عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب قراء كانوا، أو غير قراء، بينما تكون القراءات السبع غير متواترة، وذلك في القدر الذي اختلف فيه القراء، ولم يجتمع على روايته عدد يؤمن تواطؤهم على الكذب في كل طبقة، وإن كان احتمالا ينفيه الواقع" ([16])

فإذا كانت القراءة تختلف عن القرآن، وتواتر القراءة موطن خلاف، فمن الذي اشترط التواتر في القراءة؟ وعلى أي تأسيس أسس شرطه هذا؟.

إن هذا - حسب ابن الجزري - ليس من صنيع المتقدمين، ولم تعرف الأجيال الأولى هذا الشرط، بل إنهم لم يتعرضوا لقضية التواتر أصلاً، وإنما هو ابتداع من جاء بعدهم، "فقد شرط بعض المتأخرين التواتر ... ولم يكتف فيه بصحة السند، وزعم أن القرآن لا يثبت إلا بالتواتر، وأن ما جاء مجيء الآحاد لا يثبت به قرآن" ([17]).

وقد تطورت إشكالية تواتر القراءات فيما بعد حتى وصلت مذاهب علماء علوم القرآن والقراءات [القرائيون] في مسألة التواتر إلى خمسة: أولها: أن القراءات ليست متواترة بل هي آحاد. وثانيها: أن القراءات العشر فيها المتواتر وغيره. وثالثها: أنها متواترة فيما ليس من قبيل الأداء. ورابعها: أن القراءات السبع متواترة عن القراء لا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وخامسها: أن القراءات العشر متواترة إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ([18]).

إن ما عقّد خيوط هذه الإشكالية هو الاعتقاد السائد لدى كثير من المتأخرين بأن القول بعدم تواتر القراءات يجر إلى القول بعدم تواتر القرآن، مع أنه لا تكاد تجدُ ذكرا لهذا المصطلح في هذا المقام في كتب السابقين، وإنما تجد مصطلحات مثل: قراءة العامة، أو القراءة المشهورة، ففي كتاب (السبعة) لابن مجاهد - مثلا - لا يوجد ذكر لمصطلح (التواتر)، مع كونه المرجع الأقدم في علم القراءات، وفي هذا الكتاب صاغ ابن مجاهد فكرة (السبعة) التي استقدسها كثير من المتأخرين، من القرائيين، ومن النحويين، ومن المفسرين، وغيرهم، وباتت منطقة منزهة عن التقول فيها ولو بكتاب بيّن ([19]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير