تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لم يكن ابن مجاهد أول من قام بجمع القراءات في كتاب، وليس آخر من فعل ذلك، فأول من جمع القراءات في كتاب هو أبو عبيد القاسم بن سلام وحصرهم في خمسة وعشرين قارئا مع القراء السبعة، الذين اقتصر ابن مجاهد على قراءاتهم في كتابه، وهذه القراءات لم تكن معروفة في مصر وشمال أفريقيا والأندلس حتى أواخر المائة الرابعة، ولم تكن كل قراءة من هذه القراءات مقتصرة على راويين - كما هو شائع اليوم - فالحافظ أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني وصل بالقراءات السبعة إلى أكثر من خمسمائة رواية وطريق، وكتب أبو معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري كتابا سماه: (التلخيص في القراءات الثماني)، وزاد آخرون في عدد الروايات والطرق، حتى وصلت عند أبي القاسم عيسى بن عبد العزيز الإسكندري إلى سبعة آلاف رواية وطريق، جمعها في كتاب سماه (الجامع الأكبر والبحر الأزخر) ([20]).

إن جمع القراءات وحصرها في القراء السبعة الذين ذكرهم ابن مجاهد لم يكن محل إجماع بين علماء القراءات وعلوم القرآن؛ بل إن هناك نخبة منهم كالإمام أبي العباس المهدوي، والإمام أبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي انتقدت هذا التصنيف، وعابت هذا الحصر؛ فمنهم من اعترض على القراء السبعة من حيث العدد، باعتباره "أشكل على العامة؛ حتى جهلوا ما لم يسعهم جهله، وأوهم كل من قلّ نظره أن هذه هي المذكورة في الخبر النبوي لا غير، وأكد وهم اللاحق السابق، وليته إذ اقتصر، نقص عن السبعة، أو زاد، ليزيل هذه الشبهة" ([21]).

ومنهم من اعترض على القراء السبعة أنفسهم باعتبارهم ليسوا النخبة من جمهور القراء الغفير، مؤكدا أن هناك من الأئمة "أكثر من سبعين، ممن هو أعلى رتبة، وأجل قدرا، من هؤلاء السبعة" ([22]).

وقللّ آخرون من قيمة بعض القراء السبعة الذين ذكرهم ابن مجاهد في كتابه، بحجة أن جماعة من العلماء قد تركوا في مؤلفاتهم "ذكرَ بعض هؤلاء السبعة، واطّرحهم .. قد ترك أبو حاتم وغيرُه ذكرَ حمزة، والكسائي، وابن عامر، وزاد نحو عشرين رجلا من الأئمة، ممن هو فوق هؤلاء السبعة، وكذلك فعل أبو عبيد، وإسماعيل القاضي" ([23]).

وشكك بعضهم في اختيار ابن مجاهد بعض القراء الكوفيين، وشطبه من قائمة السبعة آخرين بصريين، مشيرا إلى وجود دوافع أخرى - سياسية وغيرها- كامنة وراء هذا التصنيف، يقصدون بذلك الكسائي الذي ألحقه ابن مجاهد بالسبعة في أيام المأمون، حيث كان يعقوب الحضرمي هو القارئ السابع حسب اختيار ابن مجاهد وتصنيفه، لكنه فضّل فيما بعد إثبات الكسائي في موضع يعقوب ([24]).

لم يكن ابن مجاهد يعني بـ (السبعة) أكثر من كونهم نخبة القراء الذين عرفهم، حسب معاييره الخاصة، هذه المعايير التي قد تتفق مع معايير الآخرين، وقد لا تتفق معها، فاختلاف القراءات - حسب ابن مجاهد - توسعة ورحمة للمسلمين، وليس تضييقا عليهم وتشديدا، وهؤلاء القراء ليسوا سوى بشر، يجري عليهم ما يجري على بقية البشر من الخطأ، والسهو، والتفاوت في الإتقان، فـ"حملة القرآن متفاضلون في حمله، ولنقلة الحروف منازل في نقل حروفه ..... فمن حملة القرآن:

- المعرب العالم بوجوه الإعراب والقراءات، العارف باللغات ومعاني الكلمات، البصير بعيب القراءات، المنتقد للآثار، فذلك الإمام الذي يفزع إليه حفاظ القرآن في كل مصر من أمصار المسلمين.

- ومنهم من يعرب، ولا يلحن، ولا علم له بغير ذلك، فذلك كالأعرابي الذي يقرأ بلغته، ولا يقدر على تحويل لسانه، فهو مطبوع على كلامه.

- ومنهم من يؤدي ما سمعه ممن أخذ عنه، ليس عنده إلا الأداء لما تعلم، لا يعرف الإعراب، ولا غيره، فذلك الحافظ، فلا يلبث مثله أن ينسى إذا طال عهده، فيضيع الإعراب لشدة تشابهه، وكثرة فتحه وضمه وكسره في الآية الواحدة؛ لأنه لا يعتمد على علم بالعربية، ولا بصر بالمعاني يرجع إليه، وإنما اعتماده على حفظه وسماعه، وقد ينسى الحافظ، فيضيع السماع، وتشتبه عليه الحروف، فيقرأ بلحن لا يعرفه، وتدعوه الشبهة إلى أن يرويه عن غيره، ويبرئ نفسه، وعسى أن يكون عند الناس مصدقا، فيحمل ذلك عنه، وقد نسيه، ووهم فيه، وجسر على لزومه، والإصرار عليه، أو يكون قد قرأ على من نسى، وضيع الإعراب، ودخلته الشبهة، فتوهم، فذلك لا يقلد القراءة، ولا يحتج بنقله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير