فالهاء عند الحصري ليست مجهورة كما قلت،ويبدوا أنكم تأثرتم بأهل الأصوات، ولنعرج قليلا علي مسألة الجهر، لأن الجهر والشدة عند القراء وأهل الأصوات المحدثين فيه خلاف فالقراء العلاقة عندهم انحباس نفس للجهر، وانحباس صوت للشدة، وأهل الأصوات يقيسون الأمر باهتزاز الأحبال الصوتية وعدم اهتزازها أخذا بعبارات سيبويه مثل قوله: (ويجري الصوت) فعلق د/ عبد الصبور شاهين في كتابه (أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي أبو عمر بن العلاء) قائلا: ويبدوا أن سيبويه يقصد بعبارة (ويجري الصوت) شيئا زائدا في حالة الجهر عن حالة الهمس، إلا أنه لم يدرك أن منشأ هذه الزيادة في الحنجرة فقد كان يجهل تشريح الأعضاء الصوتية فكان أن عبر عن فكرته هذا التعبير الغامض العام ... ثم قال د/ عبد الصبور: ... وقد فسر أستاذنا عبارة (صوت الصدر) التي استخدمها سيبويه بأنه الصدي التي نحث به ولا شك في اصدر .... فهو الرنين الذي نشعر به مع المجهورات وسببه تلك الذبذبات التي في الحنجرة) 2.2
ومن هنا جاء الخلاف في قضية الجهر عند أهل الأصوات.
ولننظر إلي هذه العبارة من كلام سيبويه: ... واعلم أنَّ الهمزة إنَّما فعل بها هذا من لم يخففها؛ لأنَّه بعد مخرجها، ولأنها نبرة في الصدَّر تخرج باجتهادٍ، وهي أبعد الحروف مخرجاً، فثقل عليهم ذلك، لأنَّه كالتهُّوع.)) 1/ 306
ونلحظ في تعبير سيبويه (ولأنها نبرة في الصدَّر) الجهر في الهمزة .. فماذا قال أهل الأصوات في جهر الهمزة؟
وأنقل لك من كتاب (الدراسات الصوتية عند علماء التجويد) د/غانم قدوري ... ببعض تصرف واختصار:
قال بعضهم: إنها مهموسة
وقال بعضهم: الهمزة صوت لا هو من المجهور ولا هو بالمهموس
وقال بعضهم: إنهم لم يوفقوا في نطق الهمزة مجردة فكانوا ينطقونها متلوة بالحركة، والحركة مجهورة فأثر جهر الحركة علي نطق الهمزة حتي عزو جهرها للهمزة نفسها.
وقال بعضهم: إنهم وصفوا همزة مسهلة وهي حينئذ أشبه بحروف اللين التي هي أصوات مجهورة.
قال بعضهم: أخطأ سيبويه في وصف الهمزة فعدوها مجهورة وهي مهموسة.
وقال بعضهم: إنهم وصفوا نوعا مجهورا كان سائدا في نطق بعض العرب
وقال آخرون: إن الهمزة كانت مجهورة ثم تغيرت)) 206/ 207
لماذا يا سيدي هذا التضارب بين أهل الأصوات في تحديد الجهر؟
لأن الهمزة لا تأتي لهم علي أن الجهر اهتزاز الوترين، وهذا ما قاله د/ غانم نفسه في نهاية الأمر وجعل الجهر في الهمزة المسهلة، واستحالة الجهر في الهمزة المحققة.
بل وذهب أستاذه د/ عبد الصبور إلي أبعد من ذلك فقال:" فقد ذكر القدماء وإمامهم سيبويه أن أصوات القاف والطاء والهمزة ـ من بين الأصوات المجهورة، فإذا استثنينا الهمزة لثبوت عدم معرفة القدماء بطبيعتها (ولا حرج ولا تثريب عليهم في ذلك) .. " علم الأصوات صـ112
ولاحظ معي عبارة: فإذا استثنينا الهمزة لثبوت عدم معرفة القدماء بطبيعتها (ولا حرج ولا تثريب عليهم في ذلك) .. " هل هذا كلام في أرباب اللغة الذين وصفوا الحروف بدقة مذهلة باعتراف أهل الأصوات أنفسهم؟؟ لماذا لم يغيروا تعريفاتهم هم بدلا من القول بتغير بعض الحروف في النطق الحديث؟؟
بل القدامي علموا أن الهمزة مجهورة شديدة ومن ثَم أخذوا في ذكر عللها وذكروا أن تخالف حروف القلقلة مع أنها تتصف بالجهر والشدة قال في النشر: (وحروف القلقلة) ويقال اللقلقة خمس يجمعها قولك: قطب جد. وأضاف بعضهم إليها الهمزة لأنها مجهورة شديدة وإنما لم يذكرها الجمهور لما يدخلها من التخفيف حالة السكون ففارقت أخواتها ولما يعتريها من الإعلال .. ) 1/ 22
وفي هذا دليل علي أن المسألة كانت واضحة عند القدامي، ثم إن سيبويه عندما كتب في مخارج الحروف لم يكن غرضه النطق بهذه الأوصاف لأن الأصوات لايمكن وصفها بل المسألة تقريبية، ولنتعرض لنص سيبويه لنعلم غرضه من الأمر، قال سيبويه: ((فهذه الأربعة لها موضعان من اللسان، وقد بين ذلك بحصر الصوت. ولولا الإطباق لصارت الطاء دالاً، والصاد سيناً، والظاء ذالاً، ولخرجت الضاد من الكلام، لأنه ليس شيءٌ من موضعها غيرها.
¥