تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبيان ذلك هو أن الهمز المحقق لما كان صعبا جدا عند التلفظ به افتقر إلى زيادة عمل واعتناء به عند النطق به، فمهما فرط الإنسان في شيء من حقه إلا وضعف الصوت به ومال اللفظ به إلى جهة مخرج الحرف الذي يناسب حركته، فإن كان مفتوحا مال اللفظ به إلى الألف، وإذا كان مضموما مال اللفظ به إلى الواو، وإذا كان مكسورا مال اللفظ به إلى الياء، وهذا القدر هو الموجود في طبع الناس كافة عند إرادتهم النطق بالهمز المحقق، ويدرك ذلك منهم عند سماعه للفظهم بالهمز من له أدنى تمييز.

"ثم إنهم إذا أرادوا أن ينطقوا بين بين في إعتقادهم ارتكبوا البدل المحض، فيأتون بالهاء الخالصة، فالجواب عن ذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله، قال:

وقد جمعت هذه الأحكام التي ذكرت ههنا في عشرة أبيات أحببت ذكرها ههنا لأن ما ذكر كله كالشرح لها وهي هذه:

والنطق بالتسهيل في الأداء

ومن يقل بصوتها في الفتح

والعجز لا يثبت في الرواية

ومن يخلص هاء ها في الكل

إذ هي محض بدل بالهاء

يكون بين همزة والشكل

وصفة النطق بذا الطريق

يلزمه التهوين والتقليل

في الكسر والضم وفتح قد ألف

وذاك عين بين بين في الأدا

في مذهب الحذاق دون هاء

رخص للعاجز لذ بالشرح

في مثل هذا عن ذوي الدراية

يكن مخالفا لما في النقل

وبين بين صح في الأداء

لأنه ممحض في القول

عدم الإعتناء بالتحقيق

لصولة الهمزة لا التبديل

كاليا وكالواو يرى وكالألف

إذ محض حرف في الجميع فقدا ().

فهذا شيخ الجماعة بفاس في زمنه وقاضي الجماعة بها في عهد المولى سليمان العلوي الشيخ إدريس البدراوي كما رأينا، والشيخ أبو الحسن النوري الصفاقسي التونسي قبله ينقضان كل ما تدرع به أصحاب مذهب الهاء ولا يلتفتان إلى ما نظره به الذين قاسوه على "هرقت" و"هياك"، ولا إلى قول من قال "نقتنع بموافقة إمام من الأئمة" لأنهما لا يثبتان هذا في رواية ولا دراية، كما رأينا أن العجز الذي تترس خلفه أبو زيد بن القاضي حين إدعى عدم القدرة على الإتيان به لعدم المشافهة "وقد عدمت فانعدم" جاء البدراوي فنقضه بأمر محسوس حين بين أن ترك الاعتناء بتحقيق الهمزة يجعلها تلقائيا مسهلة بينها وبين حرف المد واللين الذي منه حركتها كما تقدم.

-3موقف التونسيين بشكل عام:

تعرض الشيخ إبراهيم المارغني شيخ القراء بالزيتونة بتونس (ت 1349هـ) لهذه القضية في "النجوم الطوالع" فاستعرض الأحكام المتعلقة بالتسهيل بين بين ووصف كيفيته ثم قال:

"هذا هو المأخوذ به عندنا في كيفية التسهيل بين بين…ثم ساق قول أبي شامة السابق في إبراز المعاني القائل بالمنع، وأنه سمع بعض أهل الأداء ينطق بذلك هاء وليس بشيء" ثم قال المارغني مقلدا لابن القاضي:

"لكن جوز الداني وجماعة إبدالها هاء خالصة في الأنواع الثلاثة- قال: قال العلامة سيدي عبد الرحمن بن القاضي في بعض تآليفه: "جرى الأخذ عندنا بفاس والمغرب في المسهل بالهاء خالصة مطلقا وبه قال الداني"، ثم ذكر مذهب المجوزين في المفتوحة فقط وقال:

"والأكثرون على المنع مطلقا، وعليه جرى عملنا بتونس" ().

-4موقف علماء سجلماسة ولمطة:

لم أقف إلا على بعض الإشارات في موضوع إبدال الهمزة المسهلة هاء وموقف أهل سجلماسة منه، ولكن يمكن من خلال هذه الإشارات على قلتها تصنيفهم ضمن السواد الأعظم من الأئمة المتأخرين الذين تتابعوا على رفض ذلك. ولا يستغرب منهم ذلك لما عرفوا به بين أهل المغرب من التحقيق كما تقدم في قول أبي العباس بن الرشيد السجلماسي في رسالته "عرف الند" إذ يقول عنهم: "ولقد صدق هذا المجيب فيما نسب إليهم من الطريقة المثلى والصنع العجيب، فما رأينا في هذا المغرب من وفى حروف الذكر حقها وأعطاها من المخارج والصفات مستحقها سوى هذه العصابة أولي التحقيق والإصابة، جزاهم الله رضوانه، وأسبغ عليهم إحسانه" ().

ويظهر أن أصداء المعركة التي قامت حول هذه القضية قد بلغت إليهم فكان للشيخ المجود شيخ القراء في زمنه وزعيم "المدرسة اللمطية" في التجويد موقف صارم فيها ينسجم مع ما عرف له من مواقف أخرى مشابهة حكى عن بعضها صاحبه أبو العباس بن الرشيد السجلماسي في "عرف الند" ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير