تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[غانم قدوري الحمد]ــــــــ[01 Dec 2010, 06:25 ص]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

(2)

دعوى تخطئة القراء

تكرر في الحوار الإشارة إلى أن المشتغلين بعلم الأصوات يُخَطِّئُون القراء، وأنهم يصفون الأصوات بغير ما وصفها به القراء، وهذه المقولة ليست دقيقة، وتنم عن خلط في فهم جوانب الموضوع، وسوف أبدأ أولاً بتحديد المقصود بكلمة القراء، ثم أنتقل إلى مناقشة الجزء الثاني من القضية، وهو دعوى تخطئة المشتغلين في علم الأصوات لهم، ومخالفتهم لهم في وصف عدد من الأصوات.

لكلمة القُرَّاء دلالتان، الأولى: أصحاب القراءات الصحيحة وغيرها، مثل القراء السبعة، والثلاثة المكملين لهم عشرة، ثم قراء الشواذ، والدلالة الثانية: علماء القراءة ممن يروي القراءات، ويؤلف فيها أو حولها.

وأحسب أن الذين يقولون إن المشتغلين بعلم الأصوات (وهم يريدون المؤلفين في علم أصوات العربية) يُخَطِّئُون القراء لا يقصدون أنهم يخطئون القراء العشرة أصحاب القراءات الصحيحة، أو حتى قراء الشواذ، فهؤلاء القراء لم يُؤْثَرْ عنهم وصف الأصوات بجهر أو همس أو غير ذلك، وإنما رُوِيَتْ عنهم القراءة، وجاء وصف الأصوات لاحقاً على يد اللغويين، ثم علماء التجويد.

ولا يخفى عليكم أن من علماء السلف من ضَعَّفَ بعض قراءات السبعة، مثل تضعيف النحويين قراءة حمزة (والأرحامِ) و (مصرخيِّ)، وتضعيفهم قراءة ابن عامر (قَتْلُ أولادَهُم شركائِهم)، ووصل الأمر أن بعض المؤلفين في توجيه القراءات وتعليلها شارك في ذلك التضعيف، ورد عليهم العلماء من القراء وبعض أهل اللغة، واحتجوا لتك القراءات بما يبعد عنها شبهة الضعف من حيث اللغة، ولكن لم يصل الأمر بهم حد إعلان البراءة من هؤلاء العلماء ومن مؤلفاتهم، وإنكار فضلهم.

وإذا كان أصحاب دعوى تخطئة أهل الأصوات للقراء لا يقصدون تخطئة القراء العشرة، وإنما يقصدون من جاء بعدهم من العلماء الذين لهم مؤلفات في القراءات أو علم التجويد، فإن الأمر يسهل، لأننا نكون قد ابتعدنا عن شبهة رد القراءات الصحيحة أو الطعن فيها، أما المؤلفون في القراءات والتجويد فلا أحد من علماء الأمة ادعى العصمة لهم، ولا هم ادعوا ذلك، ومن يقرأ في كتب القوم يرى تخطئة بعضهم بعضاً، ورد بعضهم على بعض، وهو أمر محمود ما دام في حدود ما يدل عليه الدليل، وهو من الجدال الحسن الذي يُثْرِي الفكر، ويكشف عن الحقائق، ويُنَمِّي العلم.

ودعوى تخطئة أهل الأصوات للقراء المزعومة تتركز حول وصف المتقدمين للطاء والقاف بالجهر، ووصف المحدثين لهما بالهمس، ويَلْحَقُ بذلك وصف الهمزة بالجهر، ووصف بعض المحدثين لها بالهمس، وبعضهم يسلب عنها الصفتين، وللضاد مكان في هذا الجدل من حيث المخرج والصفة، كما هو معروف، وحَشْرُ الجيم مع الأصوات المختلَف فيها بين المتقدمين والمحدثين لا معنى له، فالجيم صوت شديد، فيها لاحقة من الرخاوة لا تخرجه عن صفة الشدة، ومن ثم لن أعرج على الخلاف حوله، وسبق لي مناقشة قضية هذه الأصوات في كتابي (الدراسات الصوتية عند علماء التجويد) و (المدخل إلى علم أصوات العربية)، وفي بعض الأبحاث، وأحسب أن الإخوة المحاورين لا يكتفون بالإحالة إلى تلك الكتب والأبحاث، فلعلهم قد اطلعوا على ما فيها ولم يشف غليلهم، ولم تُزِلْ عن عقولهم ما علق فيها من دعوى تخطئة المشتغلين بالأصوات للقراء، وسوف أحاول هنا التركيز على بيان أبعاد هذه القضية، لأنها في تقديري لا تندرج في قضية التخطئة، وإنما تدور حول تفسير مشكلة صوتية تتعلق بهذه الأصوات، وسأناقش قضية كل حرف على حدة، من غير تطرق إلى حرف الجيم، لأنه في تقديري خارج موضوع الحوار.

الطاء: صوت أسناني لثوي، شديد، مطبق، واخْتُلِفَ في وصفه بالهمس والجهر، فالمتقدمون من علماء العربية والتجويد، وتابعهم كثير من المشتغلين بعلم التجويد اليوم - يصفونه بالجهر، ورائدهم في ذلك سيبويه، رحمهم الله جميعاً، والمحدثون من المشتغلين بعلم الأصوات خاصة يصفونه بالهمس، بناء على مقياسهم للجهر والهمس، وهو اهتزاز الوتريين الصوتيين في الجهر، وعدمه في الهمس، فالطاء صوت مهموس لعدم اهتزاز الوترين عند النطق به.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير