ولقد اختار الداني في التيسير لابن ذكوان مذهبا مركبا بين الأداء الذي تلقى عن عبد العزيز الفارسي طريق التيسير والأداء الذي تلقى عن طاهر بن غلبون كما هو مدلول إدخال أداء أبي الحسن طاهر بن غلبون لكلمة ? إبراهيم ? في الثلاثة والثلاثين موضعا المعلومة في الأداء الذي اعتمده لابن ذكوان في التيسير وهو قراءته على عبد العزيز الفارسي.
وللداني في التيسير كما تقدم في باب الإمالة اختياره مذهبا مركبا في ما لا راء فيه من سورتي والنازعات ووالشمس فيما كان من الفواصل على لفظ "ها" من ذوات الياء للأزرق وكما لخصته في بحثي "إثبات تواتر القرآن دون الحاجة إلى اللهجات والقياس في القراءات " ومنه قولي: ومن أمثلة اختيارات المصنفين التي تدعو إلى التعجب منها ما اختاره الداني رحمه الله في القرن الخامس للهجرة في كتابه التيسير للأزرق عن ورش عن نافع إذ ضمّنه هذه الطريق من قراءته على شيخه خلف ابن خاقان على أحمد ابن أسامة على النحاس على الأزرق لكنه في كتابه التيسير قد اختار للأزرق في بعض حروف الخلاف غير هذا الأداء كاختياره له الفتح في ما لا راء فيه من سورتي والنازعات ووالشمس فيما كان من الفواصل على لفظ "ها" من ذوات الياء وتلك قراءة الداني على شيخه أبي الحسن طاهر بن غلبون واختيار الداني المذكور ومذهبه المؤلف يدعو إلى العجب لأنه وافق الرواية وهي الفتح الخالص كما هي طريق الأصبهاني عن ورش ورواية قالون وقراءة المكي والشامي وعاصم وأبي جعفر ويعقوب.
ووجه العجب أنه يبين لنا كيفية انشطار الروايات وتعددها وهو ما يسمى بتركيب الطرق وهو رغم ما فيه من العيوب قد لا يعترض عليه مادام دورانه في فلك الرواية وإنما يعترض عليه من حيث إمكانية تعدده حتى تصبح الروايات بالآلاف مما يقلب الأمر من السهولة إلى التكلف ومن اليسر إلى العسر ويشغل الناس عما كلفوا به من تدبر القرآن وتعقله وفقهه" اهـ.
وأقول للداني: رحمك الله لقد تجاوزت أفهام معاصريك فمن جاء بعدهم إلى قرابة عشرة قرون ولم يدركوا بعد أنك قارئ من القراء الذين اختزلوا القراءات السبع فكان لهم اختيارهم فهلا أنصفك المتأخرون وجعلوك أنت والشاطبي وابن الجزري قراء ثلاثة بدل القراء السبعة ورواتهم، وإلا فما الفرق بين اختيارات هؤلاء الأئمة الثقات من بين سيل الروايات التي تلقوها عمن سبقهم وبين اختيارات القراء من أمثال نافع وأبي عمرو وحمزة والرواة من أمثال ابن ذكوان وهشام وشعبة والسوسي وغيرهم من بين سيل الروايات التي تلقوها عمن سبقهم بل لا شك أن الداني والشاطبي وابن الجزري رحمهم الله أكثر انتقاء وتحريرا قبل التلقي وقبل التدوين.
الحسن محمد ماديك
ـ[الجكني]ــــــــ[23 May 2008, 03:13 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت كتبت هذا الرد في يومه ومكث في المنتدى يومين أو أكثر لكنه حذف بعد ذلك بسبب ما أصاب الموقع من خلل فني، فأحببت الآن تنزيله مرة أخرى للفائدة والتصويب له أو عليه، فأقول:
لي وقفتان عند هذا الكلام وتنبيه مهم:
1 - كنت أتوقع من أخي الحسن أن يكون أكثر حرية في البحث وأن تكون لديه الجراءة العلمية أن يقول حسب منهجه ومنهج أهل " التحريرات " وأخص المتشددين منهم – وأخي الحسن مع احترامي له هو منهم – أن يرد رواية ابن ذكوان في " التيسير " كلها لأنها إنما هي – حسب منهجه أيضاً – ليست " رواية أداء " حتى وإن قال هو إنها " أداء " بل هي " إجازة "، والدليل قول الداني رحمه الله فيه – التيسير – عند إسناده الرواية قال:
" قرأت بها القرآن كله على ....... و (رواها) الأخفش عن ابن ذكوان " اهـ
فهذا نص صريح منه أن إسناده إنما هو " تحديثاً أو إجازة " وليس " أداء " حتى وإن قال الداني نفسه في جامع البيان (1/ 336 ط: الشارقة): " الرواة كلهم يقولون عن هارون الأخفش: (حدثنا) ابن ذكوان ما خلا ابن مرشد فإنه قال عنه (قرأت) على ابن ذكوان، وقال ابن عبد الرزاق عنه (حدثنا ابن ذكوان وقرأت عليه) فدل ذلك على أن الأخفش (نقل) الحروف عنه رواية وتلاوة، فتارة يذكر الرواية وتارة يذكر التلاوة، ولذا حكى عنه الأمرين ابنُ عبد الرزاق " اهـ بنصه حتى ما بين القوسين هو من نصه وجعلته بينهما للتنبيه.
وكذلك قال الإمام الداني رحمه الله في كتابه " المفردات: 299 ط: دار الصحابة " إلا أنه قال:" وكل ذلك صحيح ثابت " اهـ
وهذان النصان على منهج المحررين المتشددين يجب أن لا يكونا ذا أهمية لما في " التيسير" و " الشاطبية " لأن طريقيهما ليستا عن ابن مرشد ولا عن ابن عبد الرزاق.
2 - أرى أن الأخ الحسن لم يكن دقيقاً – إما عمداً وإما سهواً وغفلة – في نقله طريق الداني عن ابن ذكوان في " التيسير " حيث جاءت العبارة حسب نقله هكذا:
"وقال لي قرأت بها بدمشق على أبي عبد الله هارون بن موسى بن شريك الأخفش عن عبد الله بن ذكوان اهـ بلفظه"
بينما عبارة الداني كما نقلتها قبل قليل:" (ورواها) الأخفش عن ابن ذكوان اهـ
وشتان بين العبارتين فبينهما فرق كبير له أهميته في تقرير النتيجة التي يريد الحسن التوصل إليها، بل قد يؤدي إلى نسف – بتقديم السين على الفاء – النتيجة من أصلها ويبين بطلانها.
ولي وقفة إن شاء الله مع بقية كلامكم، لكن قبله أحب أن أذكر هذا التنبيه المهم:
نقلتَ عن التذكرة لابن غلبون: "ويقول هي لغة شامية لا تدخل في القرآن " اهـ وهذا هو الصواب كما في المصادر.
لكن:
تحرفت العبارة في جامع البيان (1/ 336 ط: الشارقة) فجاءت هكذا:
" هي لغة أهل الشام خاصة (ويؤخذ) به " اهـ
وهذه ملحوظة من عدة ملحوظات سجلت على هذا التحقيق الذي يعتبر أحسن تحقيق وطبعة لهذا الكتاب القيّم الذي (فرّط) في تحقيقه وإخراجه أهل القراءات حتى تولاه غيرهم.والله المستعان.
¥