ويؤخذ من هذا أن تضعيفه مرة واحدة هو التوسط ومعناه انه ألف ونصف أي ثلاث حركات، وذلك مؤدى قول أبي عمرو فيما حكى الإجماع عليه فيما تقدم من انه "يمد مدا وسطا كشطر الزيادة له في التقدير فيما تأخرت فيه الهمزة" قال أبو عمرو في "الاقتصاد": "وإليه ذهب غير واحد من شيوخ المصريين، منهم ابن هلال وابن سيف وابن أسامة وأبو جعفر الخياط وغيرهم، وبذلك قرأت على ابن خاقان وأبي الفتح جميعا، ورويا لي ذلك عن قراءتهما متصلا" (). وبهذا المذهب اخذ رجال المدارس الأصولية في الحواضر المغربية في مذهب أبي عمرو مع جواز الوجوه الثلاثة التي أشار إليها الشاطبي بقوله:
وَمَا بَعْدَ هَمْزٍ ثَابِتٍ أَوْ مُغَيَّرٍ فَقَصْرٌ وَقَدْ يُرْوَى لِوَرْش مُطَوَّلاَ
172 - وَوَسَّطَهُ قَوْمٌ كَآمَنَ هؤُلاَءِ آلِهَةً آتى لِلْإِيمَانِ مُثِّلاَ
واقتصر ابن بري على ذكر وجهين منها: القصر لقالون وورش في أحد الوجهين له، والتوسط لورش وذلك في قوله"
وبعدها ثبتت أو تغيرت فاقصر، وعن ورش توسط ثبت
قال شارحه الأول أبو عبد الله الخراز في "القصد النافع": "وقد تقدم ان العمل على رواية أبي يعقوب، فالعمل إذن على التوسط، وهو الذي ذكر أبو عمرو عن قراءته على أبي القاسم خلف بن خاقان وأبي الفتح الضرير، ولم يذكر القصر إلا من روايته عن أبي الحسن بن غلبون، فقد ثبت التوسط في روايتين بخلاف القصر، وأيضا فإنه لم يذكر في بعض كتبه غيره، فدل ذلك على انه المختار" (). قال:
"وحجة التوسط انه جعل حكمها متقدمة بخلاف حكمها متأخرة، لأن الهمزة المتأخرة أقوى من المتقدمة في إيجاب المد، وكان قصده بيان حروف المد فاخرج الهمزة من مخرجها، وهذا يتحصل بمد دون إشباع" ().
ومن فروع البحث في هذا الأصل مبحث في الأوجه الثلاثة التي ذكرها الشاطبي وغيره في مد هذا النوع: أتعتبر هذه الأوجه طرقا عن ورش أم مجرد أوجه؟ والفرق بينهما: أنها إذا كانت طرقا فهي من الخلاف الواجب الذي لا تتم الرواية إلا باستيفائه ـ أعني في الأخذ بطريقة الجمع"، وإذا كانت من قبيل الأوجه فبأي وجه أتى القارئ أجزأه ولا يكون ذلك نقصا في الرواية.
سؤال في الموضوع وجواب أبي العباس المنجور عليه:
ـ ورد سؤال في هذا الموضوع من مدينة فسنطينة بالجزائر من الأستاذ المجود أبي العباس أحمد بن محمد الميسري إلى مدينة فاس، وأجاب عنه الشيخ أبو العباس أحمد بن علي المنجور كما تقدم في ترجمته بأنها أوجه لورش وروايات عنه قال: "فالقصر رواية العراقيين عن ورش، وطريق أبي الأزهر عبد الصمد بن عبد الرحمن بن القاسم العتقي، وقد استقر بالعراق وأقرأ بها رواية ورش عن نافع وأشاعها هنالك، ومن طريق الاصبهاني، وقد روي أيضا من طريق أبي يعقوب، قال الحافظ أبو عمرو في "الاقتصاد": "وإلى هذه ـ يعني رواية القصر ـ ذهب الأكابر من العلماء والحذاق من المقرئين .. ". ثم قال المنجور: "والتوسط هو الرواية المشهورة عند عامة المصريين من رواية أبي يعقوب، ورواية أبي يعقوب هي التي عليها العمل، وإلى شهرة رواية التوسط أشار صاحب "الدرر اللوامع" بقوله: "وعن ورش توسط ثبت. قال الحافظ إنه قرأ به على ابن خاقان وأبي الفتح من رواية أبي يعقوب ـ قال ـ وحكيا ذلك لي عن قراءتهما، وعلى ذلك عامة المصريين ومن دونهم من أهل المغرب "ثم قال ـ يعني أبا عمرو ـ بعد كلام: وهو الذي يوجبه القياس ويحققه النظر وتدل عليه الآثار وتشهد بصحته، وهو الذي أتولاه وآخذ به".
قال المنجور: "والإشباع أيضا مذكور عن ورش، ولم يذكره صاحب "الدرر اللوامع" لأنه عند الحافظ أبي عمرو ليسس بالقوي، بل أنكره كل الإنكار، ورد على من قال به لأدائه إلى التباس الخبر بالاستفهام.
. ثم قال المنجور بعد كلام وإيراد عدد من النقول: "وتحصل من هذا كله ان القصر والتوسط والإشباع أوجه ثابتة عن ورش من طريق الأزرق، وليس من طريق غيره إلا القصر، ثم نقل عن ابن الجزري قوله في "تقريب النشر":
"فإن لورش من طريق الأزرق في ذلك المد والتوسط والقصر، فبالمد قرانا من طريق العنوان والتبصرة والكافي والهداية والتجريد والهادي وغيرها ()، وبالتوسط قرأنا من طريق التيسير، وتلخيص ابن بليمة والوجيز، وبالقصر قرأنا من طريق التذكرة والشاطبي والإعلان". ثم قال:
"ولا يصح أن يقال انها طرق في قراءة ورش، بمعنى أن بعضهم يقول: ليس لورش إلا القصر ولا يصح غيره، عنه، وآخر يقول: ليس له إلا التوسط ولا يصح عنه غيره، وكذا يقول آخر في الإشباع.
نعم بالنسبة إلى أبي الحسن بن غلبون المشار إليه في قوله ـ يعني الشاطبي ـ: "وابن غلبون طاهر .. إلى قوله "وقولا" يصح أن يقال: في مد حرف المد المتأخر عن الهمز لورش طريقان: طريق ابن غلبون، وليس لورش فيه إلا القصر لأنه كان يمنع المد وينكره ويجعل القول به وهما وغلطا، ويقول ورشا بالقصر أي يجعله قولا له ويمنع أن يكون المد قراءة، ويقول: إنما ذلك على إرادة التحقيق وإعطاء اللفظ حقه فتوهم ذلك إشباعا ().
قال المنجور: "وطريق الأكثر أنها كلها أوجه ثابتة عن ورش من طريق أبي يعقوب، وإنكار الحافظ الإشباع هو من جهة التوجيه لا من جهة الرواية والله تعالى أعلم" ().
والسلام عليكم
¥