نعم هكذا بدأنا نضع أيدينا علي جوهر الإشكال ولكن أريد أن أنبه علي أمور:
قولكم: وما ذهبت إليه من أنّ عبارة الداني في جامع البيان مرادها التوسط في البدل، يزيد الطين بلّة ويُعقّد الأمور أكثر ويجعلني أحتار أكثر في مصدر طول البدل من الشاطبية أي من أين نشأ وجه طول البدل من الشاطبية مع أن الداني لم يقرأ به إن سلمنا ذلك مع العلم أنّ إسناد الشاطبيّ يمرّ على الداني لا محال؟
أقول: هذا ليس كلامي بل كلام د/ حميتو أنا أزدت فقط قول المالقي.
وقولكم: وإنّما المشكلة في إثبات أنّ ما زاده الأمام الشاطبيّ على التيسير من مصادر وأصول الشاطبية وهو قراءة الداني على مشايخه الثلاثة.))
أقول: هذا سؤال رائع وهو مكمن المشكلة، نعم سيدي الفاضل الشاطبية أساسها طرق الداني، ولكن أريد أن أسأل سؤالا: هل الداني ذكر جميع أسانيده التي قرأ بها؟؟
تعال معي سيدي الفاضل ننظر ماذا قال الداني في جامع البيان بعد انتهائه من ذكر أسانيد القراء والرواة: فهذه الأسانيد التي أدت إلينا القراءة من أئمة السبعة بالأمصار من الرويات والطرق المذكورة في صدر الكتاب قد ذكرناها علي حسب ما انتهت إلينا رواية وتلاوة وتركنا كثيرا منها اكتفاء بما ذكرناها عن ما سواه مع رغبتنا في الاختصار وترك الإطالة والإكثار وبالله التوفيق والله تعالي أعلم)) ا. هـ صـ145
وقال في التيسير: وقال أبو عمرو فهذه بعض الأسانيد التي أدت إلينا الروايات رواية وتلاوة وبالله التوفيق) ص17
ولاحظ معي قوله: وتركنا كثيرا منها اكتفاء بما ذكرناها عن ما سواه مع رغبتنا في الاختصار وترك الإطالة والإكثار) وفي التيسير ذكر (بعض الأسانيد) هذا يدلك علي أن هناك طرقا صحيحة مأخوذة بها لم يذكرها الداني اختصارا ... وبهذا قد يزول الإشكال، ونستطيع أن نقول: إن الإمام الشاطبي له دراية بهذه الطرق التي جنح إليها وخرج بها عن طرق الداني المذكورة.
ومع ذلك فخروج الشاطبي مقيد بما صح واشتهر، ولذا لم يقبلوا منه الخلاف في (يؤاخذ).
بينما قبلوا منه الخروج في (هئت) لأن الوجه كان صوابا ومعروفا ولذا قال ابن الجزري في هذا الموضع: (قلت) وليس الأمر كما زعم أبو علي ومن تبعه والحلواني ثقة كبير حجة خصوصاً فيما رواه عن هشام وقالون على أنه لم ينفرد بها على زعم من زعم بل هي رواية الوليد بن مسلم عن ابن عامر وروى الدجواني عن أصحابه عن هشام بكسر الهاء مع الهمز وضم التاء وهي رواية إبراهيم بن عباد عن هشام قال الداني في جامعه وهذا هو الصواب (قلت) ولذلك جمع الشاطبي بين هذين الوجهين عن هشام في قصيدته فخرج بذلك عن طريق كتابه لتحري الصواب)) ا. هـ
وقال أيضا عند حديثه في نحو (من آمن، قد أفلح، قل إني، عذاب أليم، يؤده إليك) وقفا لحمزة قال: ... وقد غلط من نسب تسهيله إلى أبي الفتح ممن شرح قصيدة الشاطبي وظن أن تسهيله من زيادات الشاطبي على التيسير لا على طرق التيسير. فإن الصواب أن هذا مما زاد الشاطبي على التيسير وعلى طرق الداني (ثم ذكر قول الداني ثم قال: (قلت): والوجهان من النقل والتحقيق صحيحان معمول بهما وبهما قرأت وبهما آخذ والله أعلم.)) ا. هـ1/ 496
فقد أخذ بزيادة الوجه مع إقراره بخروج الشاطبي عن طرق التيسير.
والخلاصة: صحة الوجه مع شهرته فيه تسامح عند الخروج من الطريق.
ولنا عودة فيما بعد.
والسلام عليكم
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[16 May 2008, 08:51 م]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم
أخي الشيخ عبد الرازق أنّ الرواية لا تثبت بالظنّ والاحتمال وليس لك أيّ مبرر أن تحتجّ بوجه يحتمل أن يكون الداني قد قرأه، فالقراءة والرواية لا تُبنى على هذا الأساس باللعكس فإنّها تُبني على عزو كلّ وجه إلى أصله وراويه، بل أساس التحريرات والتحقيقات الذي بذل فيها علماؤنا أقصى جهودهم لدلالة على أهمّية الاعتماد على المصادر والأصول. ولا شكّ أنّ الثابت بالنصّ والرواية أقوي من غيره لذا قدّم المغاربة وجه السكت على الوصل بين السورتين لورش.
قد يحتمل أن يكون الداني قد قرأ بوجه البسملة أو الوصل بين السورتين ولكنّ هل هناك ما يدلّ عليه من النصوص الصريحة التي وصلتنا، إن لم يكن هناك نقل صريح فيبقى الأمل محتمل وثابت بالظنّ ولو اشتهر واستفاض عند المغاربة، ولا بدّ من التفريق بين ما ثبت بالنًص عن الداني وبين ما ثبت بالقياس والظنّ ما دمنا نتكلّم عن مصادر الشاطبية.
وتعلم جيّداً أخي الكريم أنّ المحررين والمحققين أسقطوا بعض الأوجه لخروجها من مصادر وطرق الحرز وتركوا بعض الأوجه التي مع الوقت يبيّن أنّ الداني ما قرأ بها أو قرأ بها على بعض مشايخه دون البعض فظهر خلط بين الطرق. أتساءل الآن لماذا؟ ما هو الضابط؟ كيف نغضّ الطرف عن هذه المسئل مع وجود غموض في المسألة؟ وليس الهدف تخطئة هؤلاء، وإن كنتَ لا تبالي بهذا الغموض فليس لك أن تُلزمني بذلك أو أن تثبطني على البحث، فلست من أولائك الذين يقبلون جميع ما يُروّج أو ما يُكتب في الكتب. وليس المراد من كلامي هذا إسقاط بعض الأوجه التي تلقيناها من الشاطبية ولكن على الأقل أن نكون عارفين ومميّزين بين ما يدخل ضمن طرق الشاطبية وبين ما لا يدخل وفق أسس وقواعد واضحة لا غموض فيه.
وللأسف فإننا قد لا نجد من يجيب على هذه التساؤلات حتّى من طرف من يشار إليهم بالبنان والسبب هو ترك البحث والتحقيق في المسائل بل أصبح ما يثار من هذه القضايا لأجل مجرّد الفهم والمعرفة أمرٌ مستغرب إلى درجة الاستنكار الشنيع مع سوء الأدب لا حول ولا قوّة إلاّ بالله، ولست أقصدك أخي الحبيب.
محمد يحيى شريف الجزائري
¥