ليس علماء القراءات فقط الذين قالوا: إن الرخاوة جريان الصوت، بل هذا تعبير علماء اللغة أيضا وها هو إمامهم سيبويه ـ رحمه الله ـ يقول في "الكتاب " عند ذكره لصفات الحروف: ((ومن الحروف الشديد، وهو الذي يمنع الصوت أن يجرى فيه وهو الهمزة، والقاف، والكاف، والجيم، والطاء، والتاء، والدال، والباء. وذلك أنك لو قلت ألحج ثم مددت صوتك لم يجر ذلك.
ومنها الرخوة وهي: الهاء، والحاء، والغين، والخاء، والشين، والصاد، والضاد، والزاي، والسين، والظاء، والثاء، والذال، والفاء. وذلك إذا قلت الطس وانقض، وأشباه ذلك أجريت فيه الصوت إن شئت.)) ا. هـ1/ 449
وجري علي ذلك أكثر القدامي من أهل اللغة.
وعلماء الأصوات لهم فلسفة أخري بأنه يستحيل خروج صوت بغير نفس ولذا قالوا: إن الجهر صدور زمير "صوت" والزمير لا يصدر إلا بمرور النفس بين الأوتار (حال ضيق الفتحة بينها) أي كل زمير"صوت" أو كل جهر فمعه نفس ضرورة، والعكس ليس صحيحا، لأن النفس يمكن أن يمر بلا زمير (كما في حالة اتساع ما بين الأوتار الصوتية) ا. هـ المختصر للدكتور جبل
ولكن قد يكون عذرهم أن صاحب "المقتضب" فسر الشدة والرخاوة بالنفس: أما الرخوة فهي التي يجري النفس فيها ما غير ترديد.
والشديدة على خلافها. وذاك أنك إذا لفظت بها لم يتّسع مخرج النفس معها.) ا. هـ
ولكنه اجتهاد لهم كما يسمي بعضهم الصوت "زميرا" وكل له مصطلح فصعب علم المخارج علي الناس.
والأصل في هذا الباب المشافهة كما نص علي ذلك سيبويه بعد سرده للمخارج والصفات، ولم يكن غرض سيبويه وصف المخارج بهذه الدقة التي يعتقدها البعض إنما كان غرضة كما قال هو: (( ... وإنما وصفت لك حروف المعجم بهذه الصفات لتعرف ما يحسن فيه الإدغام وما يجوز فيه، وما لا يحسن فيه ذلك ولا يجوز فيه، وما تبدله استثقالاً كما تدغم، وما تخفيه وهو بزنة المتحرك.)) ا. هـ1/ 449
والمشكلة أن الناس نسوا ما يهدف إليه من وصف الحروف، وأخذوا هذه الأوصاف ونسوا أو تناسوا ما قاله سيبويه نفسه بعد ذكره للمخارج والصفات: ((وهذه الحروف التي تمتتها اثنين وأربعين جيدها ورديئها أصلها التسعة والعشرون، لا تتبين إلا بالمشافهة .... )) 1/ 448
ورحم الله الشيخ رزق خليل حبة عدندما قال (إن المخارج والصفات حقها ألا تكتب في الكتب) ولذا تجد الكل يجتهد في تأويل النصوص.
فالضاد الظائية مثلا يعترف جميع علماء الأصوات ـ ممن قرأت لهم ـ بأن الضاد القديمة ليس له وجود الآن في أي قبيلة في الجزيرة العربية وغيرها من باب أولي.
لذا ينطقها علماء الأصوات بطريقة تخالف القراء الذين يقولون بالضاد الظائية حيث يعتمد علماء الأصوات علي وضع طرف اللسان فوق الثنايا العليا.
وأهل التجويد يقولون لا دخل لطرف اللسان في نطق الضاد بل المعتمد الأضراس معتمدين علي قول ابن الجزري (إذ وليا لاضراس)
والشيخ محمد يحيي شريف (المتشدد الأول في الضاد الظائية) في سماعي له في إحدي تسجيلاته يقرأ الضاد بطريقة منفردة لا إلي هؤلاء (أهل التجويد) ولا إلي هؤلاء (أهل الأصوات) ولو سألته لقال هكذا أخذته من "القراء العشرة في المنام"
ومن أراد أن يعرف الفرق بين نطقهم فيرجع إلي الإسطوانة المشهورة في الضاد لأحد المصريين وقد حكي عنها الشيخ عبيد الله الأفغاني في مؤلفه عن الضاد.
والله أعلم
والسلام عليكم
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[04 Feb 2009, 12:33 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تأثّرت كثيراً بالضاد التي سمعتها من الشيخ محمد طاهر الرحيمي الباكستاني رحمه الله تعالى بحيث كان ينطقها رخوة مع قوّة طفيفة مقارنة بالظاء لأجل احتكاك الحافة بالأضراس ومايزال رنين ذلك الصوت في ذهني إلى الآن. وكنت وما أزال دائماً أحاول أن أقرأ الضاد بتلك الكيفية ولا أدري هل وُفّقت لذلك أم لا مع أنّه أقرّ واستحسن نطقي للضاد.
أخي عبد الحكيم لا يمكنني الادعاء أنّ نطقي للضاد نطق صحيح مائة بالمائة أو ثمانين بالمائة أو ...... ولكنّي متيقّن أنّ نطقي للضاد أقرب إلى النطق الصحيح من النطق الذي نسمعه اليوم. والأدهى من ذلك أنّ الضاد المنطوق بها اليوم إضافة إلى كونها شديدة فأنّها تخرج من طرف اللسان. ظلمات بعضها فوق بعض.
أقول: إن تغيّرت الضاد من الصواب إلى الخطأ إليس من الأولى أن نغيّرها من الخطأ إلى القريب من الصحيح؟ هل الأولى أن نقترب من الصحيح أو نبقى بعيدين عنه.
ـ[عمار الخطيب]ــــــــ[04 Feb 2009, 09:18 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الصاد المشمة زايًا، أي التي يخالط لفظها لفظ الزاي فلا هي صاد خالصة ولا هي زاي خالصة.
وهي من مخرج الصاد لكنها اتصفت بصفة صوتية ميَّزتها عن الصَّاد الأصلية ...
تجربة عملية:
سَمِّ الله وخذ نفسا عميقا، ثم انطق صوت الزاي بَنَفَسٍ متصل [ز ز ز ... ] ثم ارفع أقصى اللسان نحو الحنك الأعلى، فإنك سوف تسمع حينئذٍ صوت الصَّاد المشمة زايا.
لعلك لاحظتَ في التجربة السابقة أنك لم تسمع سوى صوت الصاد بعد أن صارتْ مجهورة كالزاي.
ولذا فإن هذا الصَّوت لم ينفرد بمخرج خاصٍّ به، بل غاير الأصل باتّصافه بصفة صوتية مميزة (أي أنه صار مجهورا) جعلتْ جرسة مختلفا في السّمع.
قال عمر بن إبراهيم المسعدي (ت1017هـ) في " الفوائد المسعدية": " وقد عرَّف بعض مشايخنا هذه الحروف الفرعية بأنها حروف غايرت الأصل ونشأت عنها بكيفية مختصة بها، فإن كيفيتها لا نظير لها في الحروف الأصلية ... وتعريف الحروف الفرعية بما ذكرنا أولى من تعريف بعضهم لها حيث قال: هي حروف ترددت بين مخرجين وتولدت من حرفين، انتهى، لأنه يتخلف عنه كل من ألف التفخيم واللام المغلظة فإنهما ليسا متولدين من حرفين ولا مترددين بين مخرجين، كما هو ظاهر ".
والله أعلم.