تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما ما اتحد لفظه ومعناه، وإنما يتنوع صفة النطق به كالهمزات، والمدات، والإمالات، ونقل الحركات، والإظهار، والإدغام، والاختلاس، وترقيق اللامات والراءات، أو تغليظها، ونحو ذلك مما يسمي القراء عامته الأصول، فهذا أظهر وأبين في أنه ليس فيه تناقض ولا تضاد مما تنوع فيه اللفظ أو المعنى، إذ هذه الصفات المتنوعة في أداء اللفظ، لا تخرجه عن أن يكون لفظًا واحدًا، ولا يعد ذلك فيما اختلف لفظه، واتحد معناه، أو اختلف معناه من المترادف ونحوه، ولهذا كان دخول هذا في حرف واحد من الحروف السبعة، التي أنزل القرآن عليها من أولى ما يتنوع فيه اللفظ أو المعنى، وإن وافق رسم المصحف، وهو ما يختلف فيه اللفظ أو الشكل. .

ولذلك لم يتنازع علماء الإسلام، المتبوعون من السلف والأئمة، في أنه لا يتعين أن يقرأ بهذه القراءات المعينة في جميع أمصار المسلمين، بل من ثبت عنده قراءة الأعمش شيخ حمزة، أو قراءة يعقوب بن إسحاق الحضرمي ونحوهما، كما ثبت عنده قراءة حمزة والكسائي، فله أن يقرأ بها بلا نزاع بين العلماء المعتبرين المعدودين من أهل الإجماع والخلاف، بل أكثر العلماء الأئمة الذين أدركوا قراءة حمزة كسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل وبشر بن الحارث وغيرهم، يختارون قراءة أبى جعفر بن القعقاع وشيبة بن نصاح المدنيين، وقراءة البصريين كشيوخ يعقوب بن إسحاق وغيرهم على قراءة حمزة والكسائي.

وللعلماء الأئمة في ذلك من الكلام ما هو معروف عند العلماء، ولهذا كان أئمة أهل العراق، الذين ثبت عندهم قراءات العشرة أو الأحد عشر كثبوت هذه السبعة يجمعون ذلك في الكتب، ويقرؤونه في الصلاة وخارج الصلاة، وذلك متفق عليه بين العلماء لم ينكره أحد منهم.

وأما الذي ذكره القاضي عياض، ومن نقل من كلامه من الإنكار على ابن شنبوذ، الذي كان يقرأ بالشواذ في الصلاة في أثناء المائة الرابعة، وجرت له قصة مشهورة، فإنما كان ذلك في القراءات الشاذة الخارجة عن المصحف، كما سنبينه.

ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها، أو لم تثبت عنده كمن يكن في بلد من بلاد الإسلام بالمغرب أو غيره، ولم يتصل به بعض هذه القراءات، فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه، فإن القراءة- كما قال زيد بن ثابت- سنة يأخذها الآخر عن الأول، كما أن ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أنواع الاستفتاحات في الصلاة، ومن أنواع صفة الآذان والإقامة، وصفة صلاة الخوف، وغير ذلك كله حسن يشرع العمل به لمن علمه.

وأما من علم نوعًا، ولم يعلم غيره، فليس له أن يعدل عما علمه إلى ما لم يعلمه، وليس له أن ينكر على من علم ما لم يعلمه من ذلك، ولا أن يخالفه، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا تختلفوا، فإن من كان قبلكم اختلفوا، فهلكوا.

وأما القراءة الشاذة الخارجة عن رسم المصحف العثماني، مثل قراءة ابن مسعود، وأبى الدرداء -رضي الله عنهما-: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}، و (الذكرِ والأنثى) كما قد ثبت ذلك فى الصحيحين. .

ومثل قراءة عبد الله: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات"، وكقراءته: "إن كانت إلا زقية واحدة" ونحو ذلك. فهذه إذا ثبتت عن بعض الصحابة، فهل يجوز أن يقرأ بها في الصلاة؟ على قولين للعلماء: هما روايتان مشهورتان عن الإمام أحمد، وروايتان عن مالك.

(إحداهما) يجوز ذلك؛ لأن الصحابة والتابعين، كانوا يقرؤون بهذه الحروف في الصلاة.

(والثانية) لا يجوز ذلك- وهو قول أكثر العلماء- لأن هذه القراءات لم تثبت متواترة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وإن تثبت، فإنها منسوخة بالعرضة الآخرة؛ فإنه قد ثبت في الصحاح عن عائشة وابن عباس- رضي الله عنهم- أن جبريل -عليه السلام- كان يعارض النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقرآن في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه عارضه به مرتين. .

والعرضة الآخرة هي قراءة زيد بن ثابت وغيره، وهي التي أمر الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بكتابتها في المصاحف، وكتبها أبو بكر وعمر في خلافة أبي بكر في مصحف، أمر زيد بن ثابت بكتابتها، ثم أمر عثمان في خلافته بكتابتها في المصاحف وإرسالها إلى الأمصار، وجمع الناس عليها باتفاق من الصحابة: علي وغيره.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير