تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا النزاع لا بد أن يبنى على الأصل الذي سأل عنه السائل، وهو أن القراءات السبعة هل هي حرف من حروف السبعة أم لا؟ فالذي عليه جمهور العلماء من السلف والائمة أنها حرف من الحروف السبعة، بل يقولون: إن مصحف عثمان هو أحد الحروف السبعة، وهو متضمن للعرضة الآخرة التي عرضها النبي -صلى الله عليه وسلم- على جبريل، والأحاديث والآثار المشهورة المستفيضة تدل على هذا القول.

وذهب طوائف من الفقهاء والقراء وأهل الكلام إلى أن هذا المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، وقرر ذلك طوائف من أهل الكلام، كالقاضي أبي بكر الباقلاني وغيره، بناء على أنه لا يجوز على الأمة أن تهمل نقل شيء من الأحرف السبعة.

وقد اتفقوا على نقل هذا المصحف الإمام العثماني وترك ما سواه، حيث أمر عثمان بنقل القرآن من الصحف التي كان أبو بكر وعمر كتبا القرآن فيها، ثم أرسل عثمان بمشاورة الصحابة إلى كل مصر من أمصار المسلمين بمصحف، وأمر بترك ما سوى ذلك.

قال هؤلاء: ولا يجوز أن ينهى عن القراءة ببعض الأحرف السبعة. ومن نصر قول الأولين، يجيب تارة بما ذكر محمد بن جرير وغيره، من أن القراءة على الأحرف السبعة لم يكن واجبا على الأمة، وإنما كان جائزًا لهم مرخصًا لهم فيه، وقد جعل الاختيار في أي حرف اختاروه، كما أن ترتيب السور لم يكن واجبًا عليهم منصوصًا، بل كان مفوضا إلى اجتهادهم، ولهذا كان ترتيب مصحف عبد الله على غير ترتيب مصحف زيد، وكذلك مصحف غيره.

وأما ترتيب آيات السور، فهو منزل منصوص عليه، فلم يكن لهم أن يقدموا آية على آية في الرسم، كما قدموا سورة على سورة؛ لأن ترتيب الآيات مأمور به نصًا، وأما ترتيب السور فمفوض إلى اجتهادهم.

قالوا: فكذلك الأحرف السبعة، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق، وتختلف، وتتقاتل إذا لم يجتمعوا على حرف واحد، اجتمعوا على ذلك اجتماعًا سائغًا، وهم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في ذلك ترك لواجب ولا فعل لمحظور.

ومن هؤلاء من يقول: بأن الترخيص في الأحرف السبعة كان في أول الإسلام، لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا، فلما تذللت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم، وهو أرفق بهم، أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الآخرة، ويقولون: إنه نسخ ما سوى ذلك.

وهؤلاء يوافق قولهم قول من يقول: إن حروف أبي بن كعب، وابن مسعود وغيرهما مما يخالف رسم هذا المصحف منسوخة.

وأما من قال عن ابن مسعود: أنه كان يجوز القراءة بالمعنى، فقد كذب عليه، وإنما قال: قد نظرت إلى القراء، فرأيت قراءتهم متقاربة. وإنما هو كقول أحدكم: أقبل، وهلمَّ، وتعال، فاقرؤوا كل ما علمتم أو كما قال.

ثم من جوز القراءة بما يخرج عن المصحف، مما ثبت عن الصحابة قال: يجوز ذلك؛ لأنه من الحروف السبعة التي أنزل القرآن عليها. ومن لم يجوزه فله ثلاثة مآخذ: تارة يقول: ليس هو من الحروف السبعة، وتارة يقول: هو من الحروف المنسوخة، وتارة يقول: هو مما انعقد إجماع الصحابة على الإعراض عنه، وتارة يقول: لم ينقل إلينا نقلا يثبت بمثله القرآن، وهذا هو الفرق بين المتقدمين والمتأخرين.

ولذا كان في المسألة (قول ثالث)، وهو اختيار جدي أبي البركات أنه إن قرأ بهذه القراءات في القراءة الواجبة -وهي الفاتحة عند القدرة عليها- لم تصح صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أدى الواجب من القراءة؛ لعدم ثبوت القرآن بذلك، وإن قرأ بها فيما لا يجب لم تبطل صلاته؛ لأنه لم يتيقن أنه أتى في الصلاة بمبطل؛ لجواز أن يكون ذلك من الحروف السبعة التي أنزل عليها.

وهذا القول ينبني على (أصل) وهو: أن ما لم يثبت كونه من الحروف السبعة، فهل يجب القطع بكونه ليس منها؟ فالذي عليه جمهور العلماء: أنه لا يجب القطع بذلك، إذ ليس ذلك مما أوجب علينا أن يكون العلم به في النفي والإثبات قطعيًا.

وذهب فريق من أهل الكلام إلى وجوب القطع بنفيه، حتى قطع بعض هؤلاء- كالقاضي أبي بكر- بخطأ الشافعي وغيره ممن أثبت البسملة آية من القرآن في غير سورة النمل، لزعمهم أن ما كان من موارد الاجتهاد في القرآن فإنه يجب القطع بنفيه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير