تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن آداب القارئ -إخلاص النية لله عز وجل فالإخلاص تصفية الفعل عن ملاحظة المخلوقين ([15])، فواجب على أهل القرآن إذا هم قرؤوه أن يريدوا الله عزوجل بقراءتهم، وأن يستعملوا من الأخلاق ما يحسُنُ ويجمل بمثلهم، وأن يتأدبوا بأدب القرآن، وأن يجعلوه إمامهم وقدوتهم، وأن يخشو الله عز وجل في السر والعلانية، فإن مولاهم الكريم قد أنعم عليهم بنعمة لا يقدرون على أداء شكرها، والقيام بواجبها، وخصَّهم بأعلى المنازل، وحبَاهم بأجلِّّ الهبات؛ إذ جعلهم وعاة كلامه، وحاملي كتابه، فهم أهله عز وجل وخاصته، كما روي عن النبي r، فعن أنس بن مالك قال قال رسول الله " لله عز وجل من الناس أهلون" قيل من هم يا رسول الله قال: أهل القرآن هم أهل الله وخاصته " ([16]).

فينبغي أن تكون أخلاقهم مباينة لأخلاق سواهم ممن لم يبلغ منزلتهم، ولا أدرك درجتهم ([17]).

-نقل القرآن عن الثقة الضبط: وعلى قارئ القرآن-بعد إخلاص طلبه لله- أن يتَّحفظ في نقله، وينقله عن ثقة يرضى حاله وعلمه ودينه، فإذا اجتمع للمقرئ صحةُ الدين، والسلامةُ في النقل، والفهمُ في علوم القرآن، والنفاذُ في علوم العربية، والتجويدُ بحكاية ألفاظ القرآن كَمُلت حالُه ووجبت إمامتُه ([18]).

-التدبر والتفكر، وتزين القراءة بالصوت الحسن: واعلم-أخي وفقك الله- أن ما يستفاد بتهذيب الألفاظ حصول التدبّر لمعاني كتاب الله تعالى، والتفكر في غوامضه، والتبحر في مقاصده، وتحقيق مراده جلَّ اسمه من ذلك، فإنه تعالى قال: (كتاب أنزلناه مبارك ليدَّبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب)؛ وذلك أن الألفاظ إذا جُليت على الأسماع في أحسن معارضها، وأحلى جِهات النطق بها -حسب ما بعث به رسوا الله r بقوله (زينوا القرآن بأصواتكم) ([19]) - كان تَلَقِّي القلوبِ لها وإقبال النفوس عليها بمُقتضى زيادتها في الحلاوة، والحسن على ما لم يبلغ ذلك المبلغ منها، فيحصلُ بذلك الامتثال لأوامره، والانتهاء عن مناهيه، والرغبة في وعده، والرهبة من وعيده، والطمع في ترغيبه، والانزجارُ بتخويفه، والتصديق بخبره، والحذرُ من إهماله واستدراجه، إلى غير ذلك من شريف الخِلاَل والإحاطة بمعرفة الحرام والحلال ([20]).

قال الإمام عبد الله بن ذكوان المقرئ ([21]): يجب على قارئ القرآن أن يقرأ بترتيل وترسل، وتدبُّر وتفهم وخشوع، وبكاء ودعاء وتحفظ وتَثبُّت ([22]).

وإذا أضاف القارئ إلى بلاغة القرآن فصاحة اللسان فقرأه بتدبر وتفهّم وتثبت وتحفّظ، وزيّن قراءته بلسانه وحسَّنها بصوته؛ إذ القرآن بلغة العرب نزل، فهو بألفاظها يُحسَّن وبمنطقها يُزَيَّن-فقد خرج عن عهدة الأمر في قوله تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا) واستحقَّ أعلى منازل المقرئين لقوله: r ( الذي يقرأ القرآن وهو به ماهر مع السَّفرة الكرام البررة) ([23])، وصار جامعا للأسماع النافرة على الإصغاء إليه، وجاذبا للقلوب القاسية إلى تفهّمه والاشتمال عليه، ومستضيفا إلى الثواب الحاصل له بالتلاوة ثوابَ المستمع إليه والمنصت نحوَه، وعمَّت الرحمةُ المرجوَّةُ بقوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون) وكفى بذلك باعثا على مزاولته وتعاطيه ([24]).

قال الإمام عبد الله بن ذكوان المقرئ: وأن يُزيِّن - أي القارئ -قراءته بلسانه ويحسّنها بصوته، ويعرف مخارج الحروف في مواضعها ويستعمل إظهار التنوين عند حروف الحلق إظهارا وسطا بلا تشديد وإخراج الهمزة إخراجا وسطا حسنا، وتشديد المضاعف تشديدا وسطا من غير إسراف ولا تَعَدٍّ ([25]).

-شكر نعمة الله تعالى: فمن خصه الله عز وجل بفصاحة اللسان، وحسن الأداء لتلاوة القرآن، ووهب له مع ذلك حسن صوت، واستقامة طريق، مع عفاف وستر، ونسك وصدق، فليعلم مقدار ما خصه مولاه الكريم به، وما وهب له ومنَّ به عليه، فليكثر الحمد والشكر والثناء عليه بما هو أهله ومستحقه ومستوجبه، فقد أنعم عليه بعظيم، ومنَّ عليه بجسيم، فليحذر –من كانت هذه صفته من أهل القرآن- التعرض للملوك وأبناء الدنيا، والقراءة لهم، والصلاة بهم، لكي ترفع منزلته عندهم، وتنقضي حوائجه لديهم؛ فإن ذلك مما يحبط منزلته، وتزل به قدمه فيعود عليه من ضرر حسن صوته، وفصاحة لسانه، ما لا تحمد عواقبه في الدنيا والآخرة ([26]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير