تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحِبَرات (3)، جباب وأردية في جمال رجال الحارث بن كعب (4)، يقول من رآهم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما رأينا وفداً مثلهم، وقد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دعوهم. فصلوا إلى المشرق.

فكلم السيد والعاقب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لهما رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «أسلما»، فقالا: قد أسلمنا قبلك، قال: «كذبتما، منعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير»، قالا: إن لم يكن عيسى ولداً لله فمن أبوه؟ وخاصموه جميعاً في عيسى، فقال لهما النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟»، قالوا: بلى!، قال: «ألستم تعلمون أن ربنا قيّم على كل شيء يحفظه ويرزقه؟» قالوا: بلى!، قال: «فهل يملك عيسى من ذلك شيئاً؟»، قالوا: لا، قال: «فإن ربنا صوَّر عيسى في الرحم كيف شاء، وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يُحدِث»، قالوا: بلى! قال: «ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غذي كما يغذى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويُحدِث؟»، قالوا: بلى!، قال: «فكيف يكون هذا كما زعمتم؟»، فسكتوا، فأنزل الله - عز وجل - فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضعة وثمانين آيه منها» (5).

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله - تعالى -: (إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ) [آل عمران: 59]، وذلك أن رهطاً من أهل نجران قدموا على محمد - صلى الله عليه وسلم -، وكان فيهم السيد والعاقب، فقالوا لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ فقال: «من هو؟»، قالوا: عيسى؛ تزعم أنه عبد الله، فقال محمد - صلى الله عليه وسلم -: «أجلْ! إنه عبد الله»، قالوا: فهل رأيت مثل عيسى أو أنبئتَ به؟ ثم خرجوا من عنده، فجاء جبريل - صلى الله عليه وسلم - بأمر ربنا السميع العليم، فقال: قل لهم إذا أتوك: (إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ) [آل عمران: 59] إلى آخر الآية (6).

وكان وفودهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - في السنة التاسعة من الهجرة، كما ذكر ابن كثير (7).

عرض إجمالي للآيات:

في هذه الآيات الكريمة يقول الله - تعالى - منكراً على النصارى الذين يزعمون أن عيسى - عليه السلام - إله أو ابن إله: (إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ) [آل عمران: 59]، في قدرته - سبحانه - على خلقه من غير أب (كَمَثَلِ آدَمَ) (8)؛ حيث خلقه - جل وعلا - من غير أب ولا أم، بل (خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ)؛ فالذي خلق آدم من غير أب ولا أم قادر على أن يخلق عيسى - عليه السلام - من غير أب بطريق الأوْلى والأحرى.

فإن كانت شبهتكم في ادعائكم بنوة عيسى - عليه السلام - أنه خلق من غير أب فإن آدم أحق بذلك منه وأوْلى؛ لأنه خلق من غير أم ولا أب، ومع ذلك فقد اتفق الناس كلهم على أنه عبد من عباد الله، وأن دعوى بنوته باطلة؛ فدعوى ذلك في عيسى أشد بطلاناً وأظهر فساداً.

«وهذا من تشبيه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه» (9).

وهذا الأسلوب من الأقيسة الإضمارية التي استخدمها القرآن الكريم في مجادلة الخصم، «وهي التي تحذف فيها إحدى المقدمات مع وجود ما ينبئ عن المحذوف» (10).

ثم بيّن - سبحانه وتعالى - أن ما ذكره في شأن عيسى- عليه السلام - وأنه عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه هو القول الحق الذي لا ريب فيه، لا كما يزعم النصارى من أنه إله أو ابن إله؛ كما نهى - سبحانه - رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يشك في أمر عيسى - عليه السلام - بعدما جاءه البلاغ المبين من ربه -عز وجل -.

وتوجيه الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - مع استحالة وقوع الشك منه له فائدتان:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير