تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[خسرو النورسي]ــــــــ[13 Oct 2010, 09:53 ص]ـ

ثانيا: مشروع د. طه: أو حق الاختلاف في التفلسف

أو كيف نخرج من نفق التبعية والتقليد؟

نجد د. طه عبد الرحمن يُفصح عن مشروعه الفكري في بداية الفصل السابع من كتابه سؤال الأخلاق [ط1، 2000] حيث يقول:

"ليس يخفى أننا كنا نسعى منذ صدور كتابنا: العمل الديني وتجديد العقل [ط1، 1989] إلى الإسهام في تجديد الفكر الديني الإسلامي بما يُؤهله لمواجهة التحديات الفكرية التي ما فتئت الحضارة الحديثة تتمخض عنها، بل كنا نسعى، على وجه الخصوص، إلى وضع نظرية أخلاقية إسلامية مستمدة من صميم ذلك الفكر، نظرية تُفلح في التصدي للتحديات الأخلاقية لهذه الحضارة بما لم تُفلح به نظائرها من النظريات الأخلاقية غير الإسلامية …" (6).

وهو مشروع يرمي به إلى تأسيس يقظة دينية لها سند فكري محرر على شروط المناهج العلمية، أي أنه هيأ لها التأطير المنهجي المحكم، والتنظير العلمي المنتج، والتبصير الفلسفي المؤسس (7).

ولكن ما هي الوسيلة التي تمكن من تأسيس ذلك المشروع وتأصيله، وكيف نحرر المتلقي العربي من التبعية، ونجعله قادرا على أن يستقل بفكره، ويُبدع في مجاله التداولي الخاص؟

أ - فما هي معالم هذا المشروع؟

(1)

وَضْعُ فلسفة إسلامية تُضاهي الفلسفة الغربية الحديثة، وتتغاير معها في المنطلقات والتصورات والمفاهيم والمصطلحات.

أو قل وضع أصول الإبداع المعرفي الإسلامي العربي،

من منطلق القيم الدالة على الخصوصية الإسلامية العربية، أي من منطلق أن كل فلسفة لها ارتباطا الخاص بسياقها التاريخي واللغوي والأدبي.

مشروعه الفلسفي يتمثل في وضع ما أسماه

"فقه الفلسفة"

وهو"علم ينظر في الأعراض الذاتية للفلسفة، ويستخرج قوانينها ويرتب مسائلها (8) ".

وإجرائية هذا العلم تتمثل في الكيفية التي بها نتحرر من التبعية لفلسفة الغربيين، وهي كيفية نبدع من خلالها على مقتضى فكرنا وواقعنا، ونستشكل بها ما يهمنا في حالنا ومآلنا. ومن خلال ذلك الفقه للفلسفة نتفاعل مع ما لابد من ضرورة التفاعل معه، ونحاور ما يصح الحوار معه بمنظارنا لا بمنظار غيرنا، ومن خلال ذلك الفقه نستقل بفكرنا ونُبدع كما يُبدع غيرنا.

فالغاية من هذا المشروع خلق فضاء نتفلسف فيه بتوجيه من رؤيتنا الخاصة، من هويتنا الخاصة، من حقائقنا وأوضاعنا ومشاغلنا، وانطلاقا من مفاهيمنا ومصطلحاتنا.

وهذا يجعلنا لا "نتعولم" بمشيئة غيرنا، ولا نتشكل كما يُراد بنا.

فقديما نقلنا عن اليونان في مجالات التفلسف، ومنذ نهضتنا وإلى الآن ننقل عن الغرب. وأمام هذا الارتكاس في التقليد والتبعية، هيأ د. طه عبد الرحمن نفسه لمواجهة هذا الواقع المتأزم للفكر العربي، وقرر أن يفتح عهدا جديدا للممارسة الفلسفية في العالم الإسلامي والعربي، فاستنهض همته لوضع تصور يتجاوز به ما تقرر في مجال الفلسفة، منذ كانت.

فهو يرى أن باب الفلسفة ظل مغلقا، وأن فتحه سيكون على يديه لأول مرة (9).

وجعل د. طه لفقه الفلسفة أركانا أربعة هي:

الترجمة والتعبير والتفكير والسلوك

(صدر له ما يتعلق بالترجمة والتعبير).

وفقه الفلسفة، كما يقول:

"يُفيد في العلم بالأسباب الموصلة إلى إنتاج الفلسفة".

وذكر أنه انشغل في ممارسته الطويلة للفلسفة بالبحث عن الطريق الذي يوصل إلى تحصيل القدرة على الإبداع الفلسفي، وتبين له أن طالبي الفلسفة لم يسلكوا الطريق المؤدية إلى الإبداع؛ فانبرى لهذه المهمة قائلا:

"فأردنا أن ندلهم على معالم الطريق الذي ظهر لنا أنه يوصلهم إلى مطلوبهم من غير تبذير للجهد ولا تبديد للزمن" (10).

(2)

تأسيس رؤية نقدية إبداعية على مقتضى المجال التداولي الإسلامي لغةً وفكراً وعقيدةً،

رؤية يتميز بها المتفلسف العربي في معترك الحضارة المعاصرة. رؤية تقوم على مراجعة المفاهيم ونقدها وإنشاء ما ينسجم مع ما يستشكله ويستدل عليه في مجاله الإسلامي العربي.

(3)

تقديم كيفية عملية وتطبيقية لإخراج المتفلسف العربي من مرحلة التقليد ودعوته إلى المطالبة بحقه في الاختلاف؛

إذ بذلك يتفلسف على مقتضى هويته، وهو بذلك يُدافع عن وجوده، ويتحرر من تصورات فلسفة غربية تتناقض مع كينونته وهويته، ويُسهم في إغناء التجربة الإنسانية.

وراح في مشروعه يهدم بمنطقه الصارم ما يراه يستحق الهدم؛ لأنه بُنِيَ – في تصوره – على غير أساس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير