ـ[خسرو النورسي]ــــــــ[13 Oct 2010, 11:27 ص]ـ
سابعا: ما هي قيمة هذا المشروع؟
(1)
نجد أنفسنا أمام مفكر مسلم عربي، يقوم بتحصين الركنين اللذين يقوم عليهما صرح الحضارة الإسلامية: دين الإسلام، ولغة القرآن. وقد انتقد في كتابه سؤال الأخلاق الحداثة العلمانية بواسطة الأخلاق الإسلامية.
(2)
صاحب نزعة إنسانية، ترفض أن يُصبح الإنسان شيئاً من الأشياء، تستعبده الآليات والتقنيات.
(3)
اعتزاز بالذات حين تتميز عن غيرها بالاجتهاد والإبداع.
(4)
مشروعه دعوة إلى العودة إلى المعاني الروحية. العودة إلى رحاب الله تعالى، أن ينشغل الإنسان بما خلق له، أن ينسجم مع سنن الكون.
(5)
وضع تصور لعقلانية توافق الأخلاق الإسلامية في كتابه سؤال الأخلاق، بشكل خاص.
(6)
هذا مشروع تصحيحي، يقوم على بناء متكامل؛ ينتقد أنساق الحضارة الغربية، ويهدم أبنيتها المعرفية فتتهاوى كثير من منطلقاتها.
(7)
هذا المشروع ثورة على أهل التقليد، وعلى عقلانية الفلسفة الغربية وحداثتها، وعلى الأساطير التي حيكت حولها، وعلى السائرين في مواكبها، المقيدين بقيودها.
ـ[خسرو النورسي]ــــــــ[13 Oct 2010, 11:28 ص]ـ
ثامنا: لماذا تغافل أهل التفلسف عن هذا المشروع؟
ماذا عن أصداء هذا المشروع؟ وكيف كانت ردود الفعل نحوه؟
يلاحظ أن هذا المشروع لم يلق ما كان يستحقه – في تقديري – من احتفاء وتقدير ومساءلة، بل إنه وجد شبه إقصاء من ذوي التفلسف.
ومما يدعو إلى الاستغراب أن هذا المشروع لم يُثر ضجة علمية، في الوطن العربي – تناسب ما قدمه صاحبها من دعاوى ومواقف واجتهادات وفتوحات، وما أبداه من جرأة علمية لم يُعرف لها مثيل في النهضة العربية الحديثة، وما رفعه من معاول الهدم، وما أقامه وشيده من أنواع البناء؛ بل ما افتن فيه من أساليب الهدم والبناء. فلم يلق المشروع ما يستحقه من النقد والمتابعة والمساءلة والمراجعة.
ولعل من أسباب ذلك التغاضي عن المشروع، أذكر ما يأتي:
(1)
لقد طار د. عبد الرحمن من أول يوم في غير سِرْبه.
ومنذ أن شرع يؤسس لرؤية جديدة ومغايرة تغاضى عنه كل من لا طاقة له بالتعايش مع موهبته. وتوالت أعماله فتكشفت عنها شخصية باحث عبقري متمرس، تكتسح اجتهاداته آفاق المعرفة بقوة وصلابة.
(2)
إصراره على التميز بين معاصريه بالتفلسف بصورة مثيرة للنظر والحسد والكبرياء.
ووجدناه يقول إن الغاية من مشروعه أن يجعل المتلقي العربي قادرا على تصنيع "معمله المفهومي"، من أجل إنشاء فلسفة متميزة ومستقلة؛ أن يجعله قادرا على التفلسف؛ وهذا أمر لم يقل به أحد قبله.
(3)
تنقيصه من مكانة الفلسفة عند ذويها،
ونفيه لعالميتها الفلسفة، وقوله بتهويدها وتبعية المتفلسفة العرب لنظرياتها واستشكالاتها، وما أحاط بها من أساطير.
(4)
استنكاره الدائم للتقليد من لدن متفلسفة العرب، واستهجانه واستنكاره لتبعيتهم العمياء للفكر الغربي، واستجهاله لهم ورميه لهم بالعقم.
(5)
انتقاده للمفكرين العرب الذين يتخذون العقلانية الغربية منهجا للنهوض بواقع العالم الإسلامي.
لماذا؟ لأنها عقلانية نبذت الدين والأخلاق من منظومتها الفكرية. والحضارة التي انبنت عليها تلك العقلانية وصمها بالنقص والظلم والتأزم والتسلط. (سؤال الأخلاق: الفصل الثاني، والفصل الخامس)
(6)
هدمه لكثير من المفاهيم التي أصبحت مقررة عن ذوي التفلسف.
وأبدى مهارات غير مسبوقة في تصنيع المفاهيم، واستنبات المصطلحات، وفتح أبواب مدلولاتها على الاستشكالات والاستدلالات في المجال التداولي الإسلامي العربي (اللغة، الفكر، العقيدة).
(7)
تطاوله على من اعتبرهم الناس أساطين التفكير في هذا العصر وغيره،
كما نرى في موقفه من ابن رشد والرشدية، واستخفافه بكثير من الرواد أصحاب المشاريع في قراءة التراث العربي.
(8)
إلحاحه في الطلب بحقه في الاختلاف بعزة نفس لا تلين ولا تستكين.
وهو يرفض أن يُساير ما تقرر في مجالات الفلسفة. ومشكلته أنه "لا عطاء بغير تميز، ولا إبداع بغير خصوصي" (43).
(9)
دأبه على وضع خطة للاختلاف تتمثل في إنشاء ميثاق للإبداع في الممارسة الفلسفية.
(10)
رغبته في تجديد الفكر الديني وإقامة فلسفته على القيم العملية المستمدة من الأخلاق الإسلامية.
(11)
تصنيعه الدائب والمثير للمصطلحات والمفاهيم.
(12)
دفاعه المستميت عن الهوية والأصالة بمفهومهما الإسلامي.
(13)
حبه للغة العربية باعتبارها لغة القرآن.
(14)
الصعوبة في قراءة أعماله واستيعابها وهضمها،
بالرغم مما يُقدمه من أساليب منهجية في بيانها والإحاطة بجوانبها، وتلخيص محتوياتها في نهاية كل فصل.
وعلى كل حال، فما هو واضح أن صاحب هذا المشروع قد أبطل الكثير من مشاريع أهل التجديد في العصر الحديث، وكشف عن عيوب تلك المشاريع من حيث مناهجها وادعاءاتها. وتساقطت إثر ظهور أعماله بعض الرموز التي بلغت شهرتها شأوا بعيدا في عالم الحداثة. ولا عجب أن يُواجه هذا المشروع بالصمت والإقصاء في انطلاقته الأولى، وألا يلقى من الترحيب من أهل الفلسفة كل ما يستحقه.
ونظرا لما تميز به أعمال د. طه عبد الرحمن من شموخ في مجال المعرفة وصرامة في المنهج، ونظرا لما اتسم به مشروعه من جرأة في الطرح (جرأة لم يشهد الناس مثيلا لها في زماننا هذا)، ونظرا لحساسية القضايا التي أثارها، وما أبانه د. طه من شجاعة في الدفاع عما اقتنع به؛ أرى
أن هذا المشروع كان بمثابة زلزال فاقت درجته ما تقرر في علم الزلازل.
مشروع سخِر من كل ما تقرر عند أهل التفلسف؛ قديمه وحديثه. رمى أهل التفلسف في العالم العربي المعاصر باتباع ما وجدوا عليه أعداءهم. وشرع لهم طريقة في التفكير تمكنهم من نزع قلادة التقليد من أعناقهم، وتساعدهم على أن يتحرروا من العبودية لغيرهم، وأن يستقلوا بفكرهم، وأن يمارسوا حقهم في التفكير الحر والحي.
¥