ـ[خسرو النورسي]ــــــــ[13 Oct 2010, 11:29 ص]ـ
خاتمة:
سعى د. طه عبد الرحمن من خلال مشروعه هذا أن يقدم كيفية للخروج من التبعية العمياء للحضارة الغربية، وأن يُنبه الإنسان المسلم في عالم اليوم إلى ما يعيشه من استرقاق وعبودية ويدعوه إلى العودة به إلى رحاب الحق.
وستظل كتبه تؤرِّق من حادوا عن القصد، واستطابوا الفوضى، واستلذوا عبث الحداثة المعاصرة، وانبهر بهلوسات كَتَبَةِ العصر ممن يعدون في سجل المبدعين في العصور الحديثة، وإذا سألتهم عما يُؤرقهم لوجدتهم يتحدثون عن مأساة الإنسان أمام فوهة العدم، كما صورته لهم فلسفة الحداثة في الغرب.
ومجمل ما يهدف إليه د. طه أن يُذكر الناس "بما ينفَعُ الناس" وبما يمكث في الأرض،
أن تكون الوسائل المعتمدة في الحضارة الإنسانية ناجعة،
وأن تكون المقاصد نافعة،
وأن تكون الوسائل والمقاصد خادمة لوحدة مظاهر الإنسان (44).
فعمق فلسفة هذا الرجل إنسانية في جوهرها، همه الأول والأخير أن يُخرج الإنسان المعاصر من غفلته ومن ضياعه ومن عبثية وجوده، ومن ما سمي بتراجيديا العصر، وأن يُنقد المتفلسف العربي من أخطار التقليد حين يتلاشى في "الإمَّعيةّ"، ويُصبح من الموتى مع وقف التنفيذ.
وظل مجهوده يطَّرِدُ ويتقوَّى حضورُه ويتبلور اجتهادُه ويتقرَّر إبداعُه فما حالت المحاصرة دون بلوغ مقاصده.
ولعل أعمال هذا الباحث حين تعاد قراءة أعماله سينكشف أن الإسلام - كما تمثل في كتاباته -هو البلسم لجراح الحضارة الإنسانية في العصور الحديثة، وأن رقي هذه الحضارة مشروط بقيم الإسلام. وقد تحدث في الفصل السابع من كتابه سؤال الأخلاق عن
دروب المحاصرة للدعوة إلى عودة الإسلام:
المحاصرة الخارجية
والمحاصرة الداخلية
والمحاصرة الذاتية
وذهب يحدد السبل الكفيلة لدفع هذه المحاصرات المختلفة.
ويبدو أن د. طه قد خرج اليوم من أشكال التضييق والمحاصرة،
وأن مشروعه بدأ يلفت الانتباه مشرقا ومغربا، وبدأ أغلب الباحثين يُقبلون على كتبه.
وبدأت الرسائل الجامعية تتأثر خطاه من النواحي المنهجية والمعرفية.
وما إنشاء (منتدى الحكمة للباحثين والمفكرين) في المغرب بتاريخ 9 مارس 2002، برئاسته إلا احتفاء بمكانته وتقديرا لجهوده الفكرية.
وإذا كان الدكتور طه عبد الرحمن قد طار من أول يوم في غير سربه، وأن صوته قد بُح داخل وطنه،
فإن هذا الصوت قد بلغ اليوم تخوم العالم الإسلامي، وأصبحت الآذان تُصغي إليه، والعيون تتبع كتاباته.
وهاهم غالبية أساتذة الجامعة اليوم يُقبلون عليه ويُقدرون أعماله حق قدرها.
وليس من المبالغة في شيء أن يُقال إننا أمام أكبر عبقرية مغربية في مجال الفلسفة في الربع الأخير من القرن العشرين وفي مطالع القرن الواحد والعشرين. وبفضل أمثال د. طه يستطيع المغرب حقا أن يُشارك في النهوض بالأمة العربية، وأن بُعرف في المحافل الدولية.
وأخيرا أقول:
ما هو جدير بالتقدير في مشروع د. طه عبد الرحمن أنه اجتهد في كل ما ذهب إليه، وأنه أعاد النظر في واقع التفكير عند المسلمين والعرب، كما أعاد النظر في مقومات الحضارة الغربية. وعمل على استنباطه من مجاله التداولي الإسلامي، وظل رافضا لكل ما يتنافى مع الوحي الذي تقوم عليه حضارة الإسلام.
فهو صوت ارتفع في لحظة أصبح فيها الكيان الإسلامي العربي مستهدفا بصورة مكشوفة. لحظة أعلن فيها أهل الإسلام هزيمتهم الحضارية فارتفع صوته يستنهض الهمم للخروج من التبعية، وأن ينظروا في حقيقتهم ويستشكلون من القضايا الفكرية ما يحفل بهم واقعهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش (من كتب د. طه عبد الرحمن)
(1) حوارات، ص 137 – ط1 منشورات جريدة الزمن، أبريل 2000
(2) تجديد المنهج في تقويم التراث، ص 10 – ط1 [بيروت، المركز الثقافي العربي، 1994].
(3) حوارات من أجل المستقبل، ص 138
(4) فقه الفلسفة – القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل، ص 11 – 12 – ط1 [بيروت، المركز الثقافي العربي، 1999].
(5) سؤال الأخلاق، ص 111 – ط1 [بيروت، المركز الثقافي العربي، 2000].
(6) نفسه، ص 171
(7) العمل الديني وتجديد العقل، ص 9 – ط1 [بيروت، المركز الثقافي العربي، 1999].
(8) فقه الفلسفة – 1 – الفلسفة والترجمة، ص264 – ط2 [بيروت، المركز الثقافي العربي، 1997].
(9) الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص113 (هامش 1) – ط1 [بيروت، المركز الثقافي العربي، 2002].
(10) فقه الفلسفة – 1 - الفلسفة والترجمة، ص 507
(11) حوارات من أجل المستقبل، ص 135
(12) تجديد المنهج في تقويم التراث، ص 422 – 423
(13) اللسان والميزان أو التكوثر العقلي، ص 17 - ط1 [بيروت المركز الثقافي العربي، 1998].
(14) الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 79
(15) نفسه، ص 116
(16) ينظر كتابه: العمل الديني وتجديد العقل.
(17) فقه الفلسفة – 1 – الفلسفة والترجمة، ص 386
(18) نفسه، ص 55 (19) نفسه، ص 51
(20) الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 148
(21) نفسه، ص 197
(22) تجديد المنهج في تقويم التراث، ص 12
(23) فقه الفلسفة – 1 – الفلسفة والترجمة، ص 510
(24) سؤال الأخلاق، ص 159، 167
(25) نفسه، ص 171
(26) نفسه، ص 163
(27) الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 65
(28) تجديد المنهج، ص 11
(29) فقه الفلسفة – القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل، ص 13
الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص66
فقه الفلسفة – القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل، ص 18
الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص77
نفسه، ص 15
فقه الفلسفة – القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل، ص 19
(35) تجديد الفكر الديني، ص 11
(36) العمل الديني، ص 10
(37) فقه الفلسفة – القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل، ص 29
(38) نفسه، ص 30
(39) حوارات من أجل المستقبل، ص137
(40) سؤال الأخلاق، ص
(41) فقه الفلسفة – القول الفلسفي، كتاب المفهوم والتأثيل، ص 27
(42) تجديد المنهج في تقويم التراث، ص 10
(43) الحق العربي في الاختلاف الفلسفي، ص 17
(44) سؤال الأخلاق، ص 64
¥