تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وما رأيت أحداً قط أجمع لهذه الخصال من شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - وكان بعض أصحابه الأكابر يقول: وددت أني لأصحابي مثله لأَعدائه وخُصومه.

وما رأيته يدعو على أحد منهم قط, وكان يدعو لهم.

وجئتُ يوماً مبشراً له بموت أكبر أعدائه, وأشدّهم عداوةً وأَذىً له, فَنَهرني, وتنكَّر لي, واسترجع, ثم قام من فوره إلى بيت أهله فعزاهم, وقال: إني لكم مكانه, ولا يكون لكم أمر تحتاجون فيه إلى مساعدة إلا وساعدتكم فيه ونحو هذا من الكلام, فَسُرُّوا به, ودعوا له, وعظموا هذه الحال منه, فرحمه الله ورضي عنه, وهذا مفهوم.

وأما الاعتذار إلى من يجني عليك فإنه غير مفهوم في بادي الرأي؛ إذ لم يصدر منك جناية توجب اعتذاراً, وغايتك: أنك لا تؤاخذه, فهل تعتذر إليه من ترك المؤاخذة؟

ومعنى هذا: أنك تنزل نفسك منزلة الجاني لا المجني عليه, والجاني خليق بالعذر.

والذي يُشهدك هذا المشهد: أنك تعلم أنه إنما سُلِّط عليك بذنب, كما قال تعالى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ([الشورى:30].

فإذا علمت أنك بدأت بالجناية؛ فانتقم لله منك على يده - كنت في الحقيقة أولى بالاعتذار.

والذي يهون عليك هذا كله: مشاهدة تلك المشاهد (لعله يقصد مشاهد المعصية) العشرة المتقدمة فعليك بها؛ فإن فيها كنوز المعرفة والبر.

وقوله: "سماحة لا كَظْماً ومَودَّة لا مصابرة"

يعني: اجعل هذه المعاملة منك صادرة عن سماحة, وطيبة نفس, وانشراح صدر, لا عن كظم, وضيق ومصابرة؛ فإن ذلك دليل على أن هذا ليس في خلقك, وإنما هو تكلف يوشك أن يزول, ويظهر حكم الخلق صريحاً, فتفتضح, وليس المقصود إلا إصلاح الباطن والسر والقلب.

ثم انتقل بعد ذلك إلى شرح كلمات لأبي إسماعيل في شرح الدرجة الثالثة, ومنها قوله: " واعلم أَنَّ مَنْ أَحْوَجَ عدوَّه إلى شفاعته, ولم يخجل من المعذرة إليه لم يشم رائحة الفُتُوَّة ".

قال ابن القيم شارحاً هذه العبارة: " يعني أن العدو متى علم أنك متألم من جهة ما نالك من الأذى منه احتاج إلى أن يعتذر إليك, ويُشَفِّع إليك شافعاً ما قلبك منه.

فالفُتُوَّة كل الفُتُوَّة: أن لا تحوجه إلى الشفاعة, بأن لا يظهر له منك عتب, ولا تغير عما كان له منك قبل معاداته, ولا تطوي عنه بشرك ولا برك, وإذا لم تخجل أنت من قيامه بين يديك مقام المعتذر لم يكن لك في الفُتُوَّة نصيب.

فانظر يا رعاك الله إلى قوله تعالى " وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ألا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ " النور 22 قال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية (اعلم أنه تعالى كما أدب أهل الإفك ومن سمع كلامهم كما قدمنا ذكره، فكذلك أدب أبا بكر لما حلف أن لا ينفق على مسطح أبدا، ... وقال الفخر الرازي أيضا ...... فالإنسان إذا أحسن إلى غيره فإذا قابله ذلك الغير بالإساءة كان ذلك أشد عليه مما إذا صدرت الإساءة من الأجنبي، والجهتان كانتا مجتمعتين في حق مسطح ثم إنه آذى أبا بكر بهذا النوع من الإيذاء الذي هو أعظم أنواع الإيذاء، فانظر أين مبلغ ذلك الضرر في قلب أبي بكر، ثم إنه سبحانه أمره بأن لا يقطع عنه بره وأن يرجع معه إلى ما كان عليه من الإحسان، وذلك من أعظم أنواع المجاهدات، ولا شك أن هذا أصعب من مقاتلة الكفار لأن هذا مجاهدة مع النفس وذلك مجاهدة مع الكافر ومجاهدة النفس أشق،) أ. هـ

وهذا غيض من فيض في معاني الفُتُوَّة والرجولة , وكلام العلماء في ذلك كثير , وانظر أخي في تفسير قوله تعالى في سورة النور " يسبح له فيها بالغدو والآصال * رجالٌ لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة ... " وقوله تعالى في سورة يس " وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى ... " وقوله تعالى في سورة القصص " وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى ... " فستجد معاني الرجولة واضحة وجلية.

الآن السؤال الذي يفرض نفسه , كيف نربي أجيالنا على الفُتُوَّة والرجولة؟

التربية على الفُتُوَّة الرجولة:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير