رواه ابن ماجة وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 1313].
فعموماً فصوم النافلة له مزايا عديدة من أعظمها أنه يباعد وجه صاحبه عن النار، ويحجبه منها ويحاج صومه عنه، فقد قال صلى الله عليه وسلم: " ما من عبد يصوم يوماً في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم عن وجهه النار سبعين خريفاً " [متفق عليه]، وكثرة الصوم دليل على محبة الله للعبد، ويالها من منزلة عالية ومكانة رفيعة يحظى بها العبد عند ربه فما أن يكثر من الصيام إلا ويحبه ربه، ومن أحبه ربه وضع له القبول الأرض وفي السماء، قال صلى الله عليه وسلم: " ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ". والفضائل كثيرة ونكتفي بما ذكرنا لأن المقام ليس مقام ذكر لفضائل ومزايا الصيام وإنما هو لغرض آخر.
الثاني: جبر الخلل الحاصل في العبادة:
فالإنسان لا يخلوا من خطأ ونقص ومعصية، فكانت النوافل تكمل الناقص من الفرائض ومن ذلك الصوم، فهناك مكروهات كثيرة قد يقع فيها صائم الفريضة تنقص أجر صومه، فشرعت النافلة لسد ذلك النقص وترقيع ذلك الخلل.
فكل ابن آدم خطاء، والكل يجوز عليه الذنب والخطيئة، فشرع التطوع لجبر ذلك النقص، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة " [رواه أحمد وأبو داود وغيرهما وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند]، فالمسلم يسعى لزيادة الأجر، وتحصيل المثوبة من الله تعالى، ولا يتأتى ذلك إلا بفعل الواجبات والإكثار من المستحبات، ومنها الصوم المستحب، مثل صوم يوم عرفة. وهناك أيام وأشهر رغب النبي صلى الله عليه وسلم في تحري صيامها لما فيها من أجر ومثوبة، وهي من صوم التطوع. ومن ذلك:
فضل صوم يوم عرفه:
وهو اليوم التاسع من ذي الحجة، وقد أجمع العلماء على أن صوم يوم عرفة أفضل الصيام في الأيام، وفضل صيام ذلك اليوم، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" صيام يوم عرفه أحتسب على الله أنه يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده " [رواه مسلم]. فصومه رفعة في الدرجات، وتكثير للحسنات، وتكفير للسيئات.
ماذا يكفر صوم يوم عرفة:
فعموماً لا ينبغي صيام يوم عرفة للحاج أما غير الحاج فيستحب له صيامه لما فيه من الأجر العظيم وهو تكفير سنة قبله وسنة بعده. والمقصود بذلك التكفير، تكفير الصغائر دون الكبائر، وتكفير الصغائر مشروطاً بترك الكبائر، قال الله تعالى: " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم " [النساء]، وقوله صلى الله عليه وسلم: " الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارة لما بينها إذا اجتنبت الكبائر " [رواه مسلم].
صوم يوم عرفة للحاج:
فيستحب صيام يوم عرفه لغير الحاج أما الحاج فعليه أن يتفرغ للعبادة والدعاء ولا ينشغل فكره وقلبه بالطعام والشراب وتجهيز ذلك، فيأخذ منه جُل الوقت، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:" نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفة " [رواه أحمد وابن ماجة وفي صحته نظر]، وأيضاً مثله عند الطبراني في الأوسط من حديث عائشة رضي الله عنها قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم عرفة بعرفات "، ويعضدهما حديث: " أن الناس شكوا في صومه صلى الله عليه وسلم يوم عرفة، فأرسل إليه بقدح من لبن فشربه ضحى يوم عرفة والناس ينظرون " [رواه البخاري ومسلم].
فعندما شك الناس في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة جاءه قدح لبن فشربه حتى يرى الناس أنه لم يصم، وقال بعض العلماء أن صيام يوم عرفة للحاج محرم، لأن النهي في الحدث السابق للتحريم، وكره صيامه آخرين، قال ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إفطار يوم عرفة بعرفة. انتهى.
وقال المنذري: اختلفوا في صوم يوم عرفة بعرفة، قال ابن عمر: لم يصمه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، وأنا لا أصومه. ولفظه عند عبدالرزاق: " حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصم يوم عرفة، وحججت مع أبي بكر فلم يصمه، وحججت مع عمر فلم يصمه، وحججت مع عثمان فلم يصمه، وأنا لا أصومه، ولا آمر به، ولا أنهى عنه " [4/ 285].
وقال عطاء: من أفطر يوم عرفة ليتقوى به على الدعاء كان له مثل اجر الصائم. [مصنف عبد الرزاق 4/ 284].
¥