[هل أخطأ الرضي في الاستشهاد؟]
ـ[سعيد بنعياد]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 01:12 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال ابن الحاجب في باب الإدغام من (الشافية): (وقد تُدغَم تاءُ نحوِ (تَتَنَزَّلُ) و (تَتَنَبازُوا) وَصْلاً، وليس قبلها ساكنٌ صحيحٌ) اهـ.
فال الرضيّ في شرحه: (إذا كان أوّلُ مضارع (تَفَعَّلَ) و (تَفاعَلَ) تاءً، فيجتمع تاءان، جاز أن تخففهما وألاّ تخففهما. والتخفيف بشيئين: حذف أحدهما، والإدغام؛ والحذف أكثر ... ).
وبعد حديثه عن الحذف، قال: (وإذا أدغمتَ، فإنك لا تُدغِم إلا إذا كان قبلَها ما آخرُه متحرك نحو: (قالَ تَّنَزَّلُ)، و (قالَ تَّنابَزُوا)، أو آخرُه مَدٌّ نحو: (قالا تَّنابَزُوا) و (قُولي تَّابَعَ) ... ).
ثم قال بعد كلام: (وظهر بما شرحنا أن الأَوْلى أن يقول المصنِّف: (وليس قبلها ساكنٌ غيرُ مَدَّةٍ). وقراءة البَزِّي: (كُنتُمْ تَّمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) و (أَلْفِ شَهْرٍ تَّنَزَّلُ) - بالإدغام فيهما والجمع بين ساكنين - ليست بتلك القوة) اهـ.
أقول: من المعلوم، في رواية البَزِّي عن ابن كثير، أن هذه الأفعال وما ماثلها، مِمّا رُسِم في المصحف الشريف بتاء واحدة، تُلفظ عند الوصل بالإدغام لا بالحذف؛ بصرف النظر عن كون آخر الكلمة السابقة متحركا نحو: (فَإِذَا هِيَ تَّلَقَّفُ) (تَكَادُ تَّمَيَّزُ)، أو حرفَ مَدّ نحو: (وَلاَ تَّفَرَّقُوا) (وَلاَ تَّبَرَّجْنَ) وهنا يُطيل المَدّ، أو ساكنا غير مَدَّةٍ نحو: (هَلْ تَّرَبَّصُونَ بِنَا) (نَارًا تَّلَظَّى). واجتماع الساكنين في الحالة الأخيرة صحيح عند القُرّاء، وإن استثقله النحويون.
لكن المشكلة هنا تكمن في المثالين اللذين مثّل بِهما الرضي لهذه الحالة الثالثة، على رواية البَزِّي: (كُنتُمْ تَّمَنَّوْنَ الْمَوْتَ) و (أَلْفِ شَهْرٍ تَّنَزَّلُ).
فأما المثال الثاني: (أَلْفِ شَهْرٍ تَّنَزَّلُ)، فصحيح على رواية البَزِّي. وقد وقعت فيه التاء المشددة بعد تنوين الراء، فاجتمع بذلك ساكنان.
وأما المثال الأوّل، فغريب أن يمثل به الرضي لهذه الحالة؛ إذ لا وجود له في رواية البَزِّي. ذلك لأن رواية البَزِّي - بل قراءة ابن كثير بصفة عامّة - تُقرأ فيها جميعُ ميمات الجمع المتحرك ما بعدها بالضم والصِّلَة، لا بالتسكين. فعلى هذا تكون قراءة البزي: (وَلَقَدْ كُنتُمُو تَّمَنَّوْنَ الْمَوْتَ)، فتقع التاء المشددة بعد واو المد، فيتعيّن إلحاق المثال بالحالة الثانية، لا بالثالثة.
والله أعلم وأحكم.
دمتم بكل الخير.
ـ[علي المعشي]ــــــــ[25 - 11 - 2010, 02:42 ص]ـ
مرحبا بك أخي الحبيب سعيدا
نعم أخي، لا يعد هذا (على قراءة البزي) شاهدا على الجمع بين ساكنين أولهما ليس مدة، لأن الميم هنا موصولة عند البزي، وعليه يعد الساكن الأول مدة وليس ساكنا صحيحا، ولعل الرضي ـ رحمه الله ـ قد سها عن ذلك، أو أنه توهم في ميم هذه الآية عدم الوصل، ولا سيما أن الشاطبي رحمه الله لم ينص على الوصل في هذه الآية وإن كان الوصل ثابتا عند البزي وابن كثير في نظائر هذه الميم في المواضع الأخرى من القرآن الكريم.
تحياتي ومودتي.
ـ[سعيد بنعياد]ــــــــ[27 - 11 - 2010, 05:34 م]ـ
مرحبا بك أخي الحبيب سعيدا
نعم أخي، لا يعد هذا (على قراءة البزي) شاهدا على الجمع بين ساكنين أولهما ليس مدة، لأن الميم هنا موصولة عند البزي، وعليه يعد الساكن الأول مدة وليس ساكنا صحيحا، ولعل الرضي ـ رحمه الله ـ قد سها عن ذلك، أو أنه توهم في ميم هذه الآية عدم الوصل، ولا سيما أن الشاطبي رحمه الله لم ينص على الوصل في هذه الآية وإن كان الوصل ثابتا عند البزي وابن كثير في نظائر هذه الميم في المواضع الأخرى من القرآن الكريم.
تحياتي ومودتي.
بارك الله فيك، أخي وأستاذنا الجليل عليا المعشي، ووفقك إلى صالح الأعمال، وزادك من فضلك الواسع.
ولعلّ الأمر سهوٌ كما ذكرتَ، وجلّ من لا يسهو.
ولا أظن الأمر راجعا إلى الشاطبي؛ لأن المدّ والإدغام والإمالة وما ماثلها من أصول القراءة يُكتفى بذكرها في أوّل المنظومة أو الكتاب، ولا يلزم تكرارها في كل موضع ترد فيه.
وقد وجدتُ ابن الجزري، في باب المد والقصر، يذكر ضمن أمثلة المد اللازم: ( ... ونَحْوُ (وَلاَ تَّيَمَّمُوا) (وَلاَ تَّعَاوَنُوا) و (عَنْهُ و تَّلَهَّى) و (كُنتُمُ و تَّمَنَّوْنَ) و (فَظَلْتُمُ و تَّفَكَّهُونَ) عند البَزِّي) اهـ.
تحيتي وتقديري.
ـ[علي المعشي]ــــــــ[28 - 11 - 2010, 06:54 م]ـ
وقد وجدتُ ابن الجزري، في باب المد والقصر، يذكر ضمن أمثلة المد اللازم: ( ... ونَحْوُ (وَلاَ تَّيَمَّمُوا) (وَلاَ تَّعَاوَنُوا) و (عَنْهُ و تَّلَهَّى) و (كُنتُمُ و تَّمَنَّوْنَ) و (فَظَلْتُمُ و تَّفَكَّهُونَ) عند البَزِّي) اهـ.
شكر الله لك شيخنا الفاضل سعيدا، ولا شك أن تمثيل ابن الجزري للمد اللازم بهذه الآية (على قراءة البزي) دليلٌ على أن ميم الجمع موصولة عنده، إذ لو لم تكن كذلك لما كانت ضمن أمثلة المد اللازم، ولا شك أن تمثيل ابن الجزري أوثق من تمثيل الرضي لأن الأول من أهل الاختصاص خلافا للأول.
أخيرا إنه لمما يثلج الصدر أن نجد بين ظهرانينا إخوة من أهل الاختصاصات العلمية التطبيقية ولديهم نبوغ لافت في العلوم الأدبية على شاكلة أخينا سعيد المهندس المدني الذي لم تحُلِ المسطرة والمثلثُ وعلومُ الرياضيات بعامة بينه وبين النحو والصرف والأدب تاريخا ونصوصا وعلوم القرآن وعلم المصطلح وغير ذلك بالإضافة إلى أنه أديب مبدع، لا أقول ذلك محاباة فأنا لا أعرف الرجل إلا من خلال ما يكتبه هنا وهناك، ولكني لمست تمكنه اللافت واطلاعه الوافر على ما ذكرتُ من الفنون، وذلك في هذا الموقع وفي مواقع أخرى شرفت بمرافقته عضوا فيها، فالله أسأل أن يوفقه ويثيبه ويكثر أمثاله!
تحياتي ومودتي.