تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وجوب أداء الزكاة إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفيد بمفهومه: عدم وجوب أداء الزكاة إلى غيره، وإنما غاية ما يقال في ذلك أن: بقية الأفراد مما سكت النص عن بيان حكمهم إثباتا أو نفيا، فيطلب من نصوص أخرى، وقد دلت النصوص الأخرى على وجوب تنصيب الأئمة ودفع الزكوات إليهم بوصفهم ولاة الأمور.

الشاهد أن لهم تأويلا، أخرجهم من حد الردة، وإنما دخلوا في أهل الردة من أتباع مسيلمة وغيره من باب التغليب، إذ قوتل الجميع صيانة لأركان الملة.

فلما خفي عنهم حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، ألزمهم الصديق، رضي الله عنه، قياس الزكاة على الصلاة في قوله تعالى: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ)، فمفهومها: وإن لم يتوبوا ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فقاتلوهم ولا تخلوا سبيلهم.

يقول الخطابي رحمه الله:

"وفي أمر هؤلاء، (أي: مانعي الزكاة كمالك بن نويرة)، عرض الخلاف ووقعت الشبهة لعمر رضي الله عنه فراجع أبا بكر رضي الله عنه، وناظره واحتج عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم نفسه وماله". وكان هذا من عمر رضي الله عنه تعلقا بظاهر الكلام قبل أن ينظر في آخره ويتأمل شرائطه. فقال له أبو بكر رضي الله عنه: إن الزكاة حق المال، يريد أن القضية قد تضمنت عصمة دم ومال معلقة بإيفاء شرائطها. والحكم المعلق بشرطين لا يحصل بأحدهما والآخر معدوم. ثم قايسه بالصلاة ورد الزكاة إليها وكان في ذلك من قوله دليل على أن قتال الممتنع من الصلاة كان إجماعا من الصحابة وكذلك رد المختلف فيه إلى المتفق عليه فاجتمع في هذه القضية الاحتجاج من عمر رضي الله عنه بالعموم ومن أبي بكر رضي الله عنه بالقياس. ودل ذلك على أن العموم يخص بالقياس، وأن جميع ما تضمنه الخطاب الوارد في الحكم الواحد من شرط واستثناء مراعى فيه ومعتبر صحته به. فلما استقر عند عمر صحة رأي أبي بكر رضي الله عنهما وبان له صوابه تابعه على قتال القوم وهو معنى قوله: (فلما رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال عرفت أنه الحق) يشير إلى انشراح صدره بالحجة التي أدلى بها، والبرهان الذي أقامه نصا ودلالة". اهـ نقلا عن "شرح صحيح مسلم" للنووي رحمه الله.

فرد المختلف فيه إلى المتفق عليه قياسا، ومن ثم انعقد الإجماع بعد الخلاف فرفعه، وهو إجماع مستنده القياس المتقدم: قياس الزكاة المختلف في قتال مانعها على الصلاة المتفق على قتال مانعها، وذلك، كما تقدم، مئنة من سعة علم الصديق، رضي الله عنه، وقد توج ذلك الاجتهاد بموافقته نص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على قتال مانعي الزكاة صراحة، وإلى طرف من ذلك أشار القاضي عياض، رحمه الله، بقوله:

"حَدِيث اِبْن عُمَر نَصٌّ فِي قِتَال مَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَمْ يُزَكِّ كَمَنْ لَمْ يُقِرّ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَاحْتِجَاج عُمَر عَلَى أَبِي بَكْر وَجَوَاب أَبِي بَكْر دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا فِي الْحَدِيث الصَّلَاة وَالزَّكَاة إِذْ لَوْ سَمِعَهُ عُمَر لَمْ يَحْتَجّ عَلَى أَبِي بَكْر وَلَوْ سَمِعَهُ أَبُو بَكْر لَرَدَّ بِهِ عَلَى عُمَر وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى الِاحْتِجَاج بِعُمُومِ قَوْله: (إِلَّا بِحَقِّهِ) ". اهـ

وقال النووي رحمه الله:

"فَإِنَّ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لَوْ سَمِعَ ذَلِكَ، (أي: زيادة الزكاة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما)، لَمَا خَالَفَ، وَلَمَا كَانَ اِحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ؛ فَإِنَّهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَة حُجَّة عَلَيْهِ. وَلَوْ سَمِعَ أَبُو بَكْر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ هَذِهِ الزِّيَادَة لَاحْتَجَّ بِهَا، وَلَمَا اِحْتَجَّ بِالْقِيَاسِ وَالْعُمُوم. وَاللَّهُ أَعْلَم". اهـ

فلو سمع الصديق، رضي الله عنه، حديث ابن عمر، رضي الله عنهما، ابتداء ما لجأ إلى ذلك القياس، وإنما اجتهد رأيه لما خفي عنه النص، فلما بلغه، وهو: نص في محل النزاع، صار مستنده في تلك الحرب: نصا نبويا صحيحا صريحا وافقه قياسه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير