"وَالْعِبَادَةُ هِيَ الْغَايَةُ الَّتِي خَلَقَ اللَّهُ لَهَا الْعِبَادَ مِنْ جِهَةِ أَمْرِ اللَّهِ وَمَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ} وَبِهَا أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ وَهِيَ اسْمٌ يَجْمَعُ كَمَالَ الْحُبِّ لِلَّهِ وَنِهَايَتَهُ وَكَمَالَ الذُّلِّ لِلَّهِ وَنِهَايَتَهُ فَالْحُبُّ الْخَلِيُّ عَنْ ذُلٍّ وَالذُّلُّ الْخَلِيُّ عَنْ حُبٍّ لَا يَكُونُ عِبَادَةً وَإِنَّمَا الْعِبَادَةُ مَا يَجْمَعَ كَمَالَ الْأَمْرَيْنِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْعِبَادَةُ لَا تَصْلُحُ إلَّا لِلَّهِ وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ مَنْفَعَتُهَا لِلْعَبْدِ وَاَللَّهُ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ فَهِيَ لَهُ مِنْ جِهَةِ مَحَبَّتِهِ لَهَا وَرِضَاهُ بِهَا وَلِهَذَا كَانَ اللَّهُ أَشَدَّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ مِنْ الْفَاقِدِ لِرَاحِلَتِهِ عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فِي أَرْضٍ دَوِيَّةٍ مُهْلِكَةٍ إذَا نَامَ آيِسًا مِنْهَا ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَوَجَدَهَا فَاَللَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ". اهـ
ويقول في "دقائق التفسير":
"هذه اللام، (أي: اللام في قوله تعالى: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونِ") ليست هي اللام التي يسميها النحاة لام العاقبة والصيرورة ......... وأما اللام فهي اللام المعروفة وهي لام كي ولام التعليل التي إذا حذفت انتصب المصدر المجرور بها على المفعول له وتسمى العلة الغائية وهي متقدمة في العلم والإرادة متأخرة في الوجود والحصول وهذه العلة هي المراد المطلوب المقصود من الفعل ........... فمقتضى اللام في قوله: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) هذه الإرادة الدينية الشرعية وهذه قد يقع مرادها وقد لا يقع فهو العمل الذي خلق العباد له أي هو الذي يحصل كمالهم وصلاحهم الذي به يكونون مرضيين محبوبين فمن لم تحصل منه هذه الغاية كان عادما لما يحب ويرضى ويراد له الإرادة الدينية التي فيها سعادته ونجاته وعادما لكماله وصلاحه العدم المستلزم فساده وعذابه". اهـ
وأما الحكومات الأرضية فهي ترى الدولة غاية بذاتها، فمجرد الاستيلاء على مقاليد الأمور بقوة جماعات الضغط، أو ثورة وحدات الجيش: مراد لذاته، فيوظف الدين، إن لزم الأمر، نصرة لسلطان الدنيا، وما شنت أوروبا حملاتها على الشرق المسلم قديما وحديثا إلا باسم الصليب، مع أنها كانت وسيلة لدعم سلطة الباباوات والأباطرة، فلم يكن البابا كلفا بهداية شعوب الشرق المسلم بقدر كلفه بملء خزائن كنائسه.
يقول صاحب رسالة العلمانية حفظه الله وسدده وأتم شفاءه:
"إن الغاية تبرر الوسيلة: تلك هي القاعدة العملية التي وضعها ميكافيللي بديلا عن القواعد الدينية والأخلاقية. ولذلك فإن لها عنده تفسيرا خاصا.
كان الكتاب السياسيون منذ القدم، ومنهم فلاسفة الإغريق كأفلاطون وأرسطو وغيرهم يبحثون عن الغاية من الدولة والهدف من وجودها، فرأى بعضهم أن غايتها هي تحقيق المثل العليا السامية ولهذا جاء اشتراطهم كون الحاكم فيلسوفا. بينما ذهب آخرون إلى أنها تنفيذ القانون الإلهي أو القانون "الطبيعي" كما يسمونه.
ولكن ميكافيللي ذا النزعة العملية ذهب إلى أن الدولة غاية بذاتها والقبض على زمام الحكم هدف برأسه ولا داعي للخوض فيما وراء ذلك.
وفى سبيل تحقيق هذه الغاية لا مانع من سلوك أي سبيل يوصل إليها واستخدام أية وسيلة من شأنها تسهيل ذلك مهما وصفت تلك السبل والوسائل بأنها غير أخلاقية ومهما تنافت مع الدين ومنهجه في السلوك.
فالمعيار الذي تقاس به صلاحية الوسيلة أو عدمها ليس معيارا موضوعيا بل هو معيار ذاتي شخصي، وللسياسي وحده الحق في الحكم بصحة أي لون من ألوان السلوك أو خطئه وبطلانه. تلك صورة موجزة للميكافيللية كما ظهرت في عصر النهضة". اهـ بتصرف.
"العلمانية"، ص227.
وما كانت تلك الأفكار لتروج إلا في مجتمعات قد فسد تصورها للإلهيات، إذ خفتت فيها شمس النبوات، فتصور الغاية في كل أمر قد فسد، لفساد الغاية العظمى: توحيد الرب، جل وعلا، فأنى لمثلث مشرك به، ففساد في:
غاية السياسة:
¥