أرشيف منتدى الفصيح - 1

ومن قبل محمود درويش، استحضر الغرب من تاريخ الانحراف الفكري الذي انتسب أربابه إلى الملة التوحيدية الخاتمة، استحضروا منه أمثال: ابن عربي وابن الفارض وجلال الدين الرومي ......... إلخ ممن قرر نظرية: "وحدة الأديان" فرعا عن: "وحدة الأكوان والأبدان"!، فلا عجب أن يكونوا زبائن مستديمين على موائد التكريم في المنظمات الدولية المعاصرة كاليونسكو وغيرها، فنظريتهم تصب في قناة الدين الكوني الجديد: دين العولمة اللا دينية، فلا ولاء ولا براء، ولا حاجز يفصل بين الأرواح، بل والأبدان كما قرر غلاتهم، فأي خير في دين بلا ولاء لأتباعه وبراء من أعدائه؟!!.

وفي المقابل يستحضر المسلمون صورا كـ:

صورة يوسف بن تاشفين، رحمه الله، في لقاء حاسم بين الشرق المسلم والغرب النصراني في "الزلاقة" سنة 479 هـ، على أرض الفردوس المفقود، لقن فيها يوسف نصارى الشمال درسا بإبادة جيشهم إلا مائة مقاتل، فأبيد: 59900 من أصل ستين ألفا، وأذن لصلاة الفجر من على تلال الجماجم، وكانت غلطة ألفونسو أن أثار أسود المغرب عليه بما كان يذيقه لمسلمي الأندلس المتخاذلين من ملوك الطوائف من صنوف الذل والهوان!.

وصورة أبي يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن، رحمه الله، أمير الموحدين الشهير، وقد أخطأ ألفونسو تال! باستفزازه فبعث إليه ساخرا من موعود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للمؤمنين بهزيمة واحد منهم لعشرة من أعدائه متبجحا بما يذيقه لمسلمي الأندلس من صنوف الإذلال، في صورة تكررت كثيرا بتكرار تخلي المسلمين عن دينهم، معدن عزتهم، فما كان من ذلك الشهم الأبي إلا أن غار على عرض محمد صلى الله عليه وعلى أله وسلم، وهي غيرة نفتقدها اليوم بعد أن سرت إلينا عدوى الدياثة من أوروبا التي لا تغار حتى لعرض المسيح عليه السلام، فمزق رسالته وكتب له على ظهرها قوله تعالى: (ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون)، وأمر بتجهيز جيش بلغ نحو ربع مليون مقاتل عبر به إلى الجزيرة الأندلسية، ليلقن نصارى الشمال درسا قاسيا بإبادة نحو: 146000 منهم في مقابل نحو 30000 شهيد مسلم على رأسهم: رئيس وزرائه أو وزيره الأول كما يقال في بلاد المغرب اليوم في جولة جديدة من جولات الصراع الأزلي بين الحق والباطل: ذلك الصراع المطرد باطراد السنة الكونية الجارية التي يغفلها من يغفلها: جبنا بدفن رأسه في الرمال، أو حقدا على الإسلام إرادةَ محو معالمه.

ولا زالت: "الجيرالدا": مئذنة: "إشبيلية" الحبيبة، شاهد عزنا في ذلك اليوم المجيد: يوم: "الأرك" العظيم.

وتلك صورهم التي يريدون ترويجها في أوساطنا، وتلك صورنا التي نقاوم بها مشروعهم التمييعي لثوابت ديننا، فأي الفريقين أحق بالعز والتمكين، والتاريخ حكم عدل، وعلى العاقل أن يختار لنفسه ما يلائمها.

ولدى الشرق المسلم ما يقدمه للعالم: لديه إسلام حقيقي، لا إسلام الموالد والموائد الذي يروج له، وقد التقى الشرق المسلم بالغرب النصراني فقهره بحجة ظاهرة إلى يوم الدين، وبسيف حينا من الدهر، حتى هجر الأتباع سمت النبوة، فحاق بهم سوء العذاب: عذاب الذلة لأمم الأرض، والتقى معه عقديا فأثر فيه مع تعصب الغرب، فكان الإسلام بسمو نظمه وتعاليمه مصدرا أصليا من مصادر الحركات الإصلاحية النصرانية، كما تقدم، وهي حركات متعصبة ضد الإسلام، ولعلها أشد تعصبا من الكنيسة التقليدية، ولعل الإنجيليين الجدد خير شاهد على ذلك فهم ثمرة تلك الحركات، ولكنها لا تستطيع إنكار انبهارها بحضارة ومدنية الإسلام في القرون الوسطى في مقابل تخلف وتراجع أوروبا في ظل نظام الإقطاع الذي أهدر كرامة الغربي في وقت كان الشرقي يحظى بكل حقوقه الشرعية التي كفلتها له الرسالة الخاتمة، (فهي حقوق كفلها له الشرع لا محض تفضل ومنة من حاكم على محكوم)، وما الحقوق التي يتشدق بها الغرب اليوم في مقابل إهدار شبه كامل لحقوق الإنسان في الشرق الذي نبذ تعاليم الرسالة، مصدر تلك الحقوق، ما كل تلك الحقوق إلا شعبة من شعب الحقوق الشرعية التي لا تأت بها إلا رسالة سماوية، فمشرعو الأرض لن يستطيعوا ذلك، وإنما غايتهم أن يحاكوها ويقتبسوا منها، ولدينا الأصل، ولكنه معطل، وقد اقتبس غيرنا منه، فتقدم، وإن

¥