تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالاعتزاز بالقومية الفارسية لدرجة الاغترار أمر ليس وليد الحاضر، بل هو إرث لم ينجح الإسلام بصورته الفارسية الأسطورية في القضاء عليه، وما ظنك بمن تمتد عطلته أسبوعان كاملان في عيد موروث عن حضارة وثنية تعبد النار في مقابل يوم واحد لعيد المسلمين: عيد الفطر، الذي تتعمد الدولة الفارسية مخالفة الدول العربية الكبرى في الاحتفال به، وهي بذلك تؤكد على استقلاليتها عن بقية دول العالم الإسلامي، وإن اشتركت معه في الانتساب إلى القبلة، فالأصول غير الأصول، والرسوم غير الرسوم، وحتى الأعياد الدينية غير الأعياد الدينية، ولا يخفى عليك أخي نور الدين، ما للأعياد من خصوصية دينية، فليست الأعياد: مناسبات ثقافية أو اجتماعية يسوغ الاختلاف فيها باختلاف الأنماط الاجتماعية، فليست عادات، وإنما هي شعائر، بل هي، عند التحقيق، من أخص الشعائر، فإن لكل قوم عيدا، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذا أمر مشاهد لا تخطئه العين، فأنت تشاهد على سبيل المثال: نصارى مصر لا سيما في السنوات الأخيرة بعدما تمددت دائرة نفوذهم في مقابل تقلص دائرة نفوذ القيادة السياسية الرسمية المثقلة بالمشاكل الداخلية والخارجية، تشاهدهم، حريصين، كل الحرص، على الاستعلان بشعائر أعيادهم، لأنهم، كأي أقلية في دولة مسلمة، تدافع عن كيانها الأخص لئلا يذوب في المحيط الإسلامي الأعم، ومن أبرز خطوات هذا الدفاع: الاستعلان بالشعائر الخاصة التي تتميز بها ملتهم، فلسان حال المحتفل بالعيد: هذا عيدي الذي أمتاز به عن غيري، وكلما زاد الاهتمام بذلك، دل على أن للأمر بعدا استقلاليا، وهو ما يؤكد الفرس عليه في كل مناسبة، وإن اشتركوا مع عموم المسلمين في القبلة، فإن لسان حالهم: القومية الفارسية أولا، وليأت بعدها ما شئتم، وذلك أمر تحسه بقية القوميات في فارس: العربية والكردية ......... إلخ، فالدولة فارسية الهوية قبل أن تكون إسلامية الديانة، وإنما صار المذهب وسيلة أخرى من وسائل التميز على طريقة: "خالف تعرف"، حتى اصطلح المستشرقون على تسمية الجناح الفارسي بـ: "جناح المعارضة" السياسية في الأمة الإسلامية، فهم الذين يعارضون حتى في تواتر الكتاب المنزل، وأي معارضة سياسية تحرص دائما على إظهار برنامجها السياسي متميزا عن برنامج الأغلبية!، وهو ما تنفذه القيادة الفارسية بامتياز الآن، في ظل تراجع دور بقية دول العالم الإسلامي، فهي فرصة سانحة لملء الفراغ العاطفي في نفوس المسلمين بلعب أدوار البطولة الوهمية، ولعل أبرزها محاولة اقتناص قضية: "بيت المقدس" قضية الإسلام الأولى بحرب لا تكلفهم أكثر من الدعاية الكلامية والتصريحات ذات الألفاظ النارية على طريقة زعماء الثورة الملهمين عندنا في مصر في أواسط القرن الماضي طريقة: أسمع جعجعة ولا أرى طحنا، ولا مانع من إشعال بعض الحروب الاستراتيجية التي تخدم القضية القومية كحرب لبنان الأخيرة، فإن البعد الطائفي فيها كان مرادا لذاته، فينبغي أن يكون النصر مذهبيا خالصا، ولذلك رفضوا الاستعانة الميدانية، ولو كانت رمزية، بأي قوة بشرية من مذهب آخر، مع تحمس كثير من شباب العالم الإسلامي لمشاركتهم الحرب ظنا منهم أنها: إسلامية، أو على الأقل: قومية، والحقيقة أنها: مذهبية التخطيط والتسليح والتنفيذ والأهداف، فهي: "قرصة ودن" كما يقال عندنا في مصر لأمريكا لتدرك حجم القوة الإقليمية الجديدة في المنطقة: القوة التي حاول الشاه قبل ذلك تنميتها، ولكن الوقت لم يسعفه، فورثت الثورة ذلك، ولكنها اتخذت المنطلق الديني وسيلة إلى ذلك بعد فشل المنطلق العلماني الذي انتهجه الشاه، فالمسألة تغيير في التكتيك، كما يقال، دون طروء أي تغيير على الهدف الاستراتيجي الأول: السيطرة على الشرق المسلم، والثأر من العدو التاريخي: العرب، حملة الرسالة، وأضف إلى كل ذلك أن طابع الغلو في المقالة السبئية التي أظهرها ابن سبأ في أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه، قد صادف قبولا في نفوس الفرس، وتعظيم الأكاسرة أصل في ملتهم الأولى، فلهم طور إلهي يفوق الطور البشري العادي، فأحلوا آل البيت، رضي الله عنهم، محل الأكاسرة، وإن لم يصل غلوهم الآن إلى غلو ابن سبأ، ولكنهم بلسان الحال ينطقون

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير