تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فلقنته الشهادتين، ودخل في دين الله.

وحينئذ خطرت في بالي قصة كنت قد عرفتها قبل سنتين من تلك السنة ...

فوجهت كلامي لخوان قائلاً له وأبو العروس يترجم للجميع:

أرجو يا خوان أن تكون مثل البريطاني (محمود ولتون) المقيم في كينيا، وسأحكي لكم حكاية محمود ولتون التي سمعتها منه بأذني هاتين:

قبل سنتين زرت مدينة ممباسا في شرق كينيا، فرأيت رجلاً أبيض كبير السن يتنقل على دراجة نارية بين عدد من المدارس الإسلامية التي تعلّم القرآن الكريم، وهو يُعنى بها عناية فائقة، ويشتغل في كل ما ينفع إخوانه المسلمين أحسن من المسلمين جميعاً ...

فجلست معه، فقصّ عليّ قصة إسلامه، وقال:

كنت ضابطاً في البحريّة الملكيّة البريطانيّة أعمل مع القوات البريطانيّة في ممباسا، فرأيت فاطمة، وهي بنت مسلمة من أصول يمنيّة، فدخلت قلبي، وأحببتها حباً عظيماً، وطلبت منها الزواج، فرفضت إلا أن أسلم، وحاولت بأهلها أن يقبلوا بي زوجاً، لكنهم أصروا على الرفض ما لم أدخل في الإسلام ...

ولم أستطع أن أترك حبّها، فقلت في نفسي:

لماذا لا أكذب عليهم، وأعلن إسلامي ظاهراً حتى أتزوجها ....

وهكذا حصل حيث أعلنت دخولي بالإسلام، وأنا في قرارة نفسي غير راغب فيه ...

وبعد أن تزوجت فاطمة، ورأيت إسلامها النقيّ الطاهر أدركت أنه الدين الحق، فآمنت به إيماناً حقيقيّاً، وأصبحت كما ترى خادماً لهذا الدين، والفضل في ذلك يرجع إلى الله ثم إلى فاطمة.

وبعد أن أنهيت من سرد قصة محمود ولتون التفتُ إلى خوان، وقلت له:

أرجو أن تكون أعظم بركة من محمود ولتون؛ لتكون بنتنا الغالية (نائلة) أعظم بركة من فاطمة ...

ففوجئ الحاضرون بدموع خوان تسيل على خديه، وهو يحضنني، ويقول:

أعدك بذلك ...

وهكذا أنهينا مراسيم عقد الزواج، وكان أكثر الناس فرحاً وسروراً بعد العروسين والدي نائلة، ومن شدة سرور أبيها بذلك أن أصرّ علينا أن نحضر حفلة عشاء العرس بعد العشاء، فقلت للإمام:

أخشى أن يكون في حفلة العرس شيء يخالف الدين ...

فقال: لا أظنّ ذلك؛ فهم لا يقدّمون الخمور ...

فوعدناه بالإجابة ...

وبقينا في المسجد بعد أن انفضّ المدعوون نستمع إلى محمد النعيميّ يقصّ علينا كيف رمت به الأقدار في هذه البلاد النائية، فانقطعت به السبل، وعجز عن العودة إلى المملكة؛ لأنه لا يملك جواز سفر يتنقل به، ولفقره الشديد ...

...

وبعد أن صلينا العشاء في المسجد ركبنا سيارة الإمام عبد القادر متجهين إلى بيت أبي نائلة، وعرفناه قبل أن نصله؛ بكثرة عقود الأنوار المعلّقة عليه، وبدا لنا البيت كبيراً، لكنه من طابق واحد، ولما دخلنا الباب أفضى بنا السير إلى مظلّة تحتها دكة مرتفعة، وبدا وسطها كالمحفور قليلاً، فقلت للدكتور عبد الرحمن:

يظهر لي أن هذا مكان للرقص ...

وبعد تلك المظلة فناء واسع تتناثر فيه أشجار طويلة جداً، وقد امتلأ الحوش بالطاولات والكراسي المعدّة للعشاء، وحيث إننا قد بكّرنا بالحضور فلم نجد سبقنا إلا قليل من المدعوين، ولذلك اخترنا إحدى الطاولات القريبة، وجلسنا على الكراسي المحيطة بها ...

وأخذ المدعوون بالتوافد، وكانت النساء أكثر من الرجال، وكان لباسهن محتشماً غالباً؛ لأن الجوّ يميل إلى البرودة التي لا تقلّل من قروستها إلا نسمات المحيط المعتدلة ...

وبدأت أعداد الحاضرين تكثر، فقلت لصاحبيّ:

ما رأيكما أن نذهب إلى تلك الطاولة القصيّة التي تسترها تلك الشجرة العريضة؛ لنبتعد عن هذه المناظر المؤذية، فوافقا، فلما جلسنا على الطاولة المختارة بدأ النساء وقليل من الرجال يرقصون على المرتفع الذي صدق حدسي بأنه مرقص ...

فوقع ما كنا نخشاه ...

فعرضت على صاحبيّ أن نعود إلى الفندق، فقال الإمام:

إن هذا شيء غير لائق. وأيده الدكتور عبدالرحمن بأن هذا شيء ربما يغضب أبا العروس، وبما أننا بعيدون عنهم فلا بأس علينا ...

وجاءنا أبو العروس فقلت له:

إننا نشعر بالتعب وبالبرد، فنتمنى أن تسمح لنا بالانصراف، فقال:

لا والله ما تذهبون؛ ما بقي إلا القليل ويأتي العروسان ثم العشاء ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير