مع رقة في الدين!.
وأما المعركة الثقافية، فحدث ولا حرج، إذ كان الميدان الفكري من الميادين التي أبلى فيها النصارى العرب بلاء حسنا في معركة تحرير الشرق من الإسلام!، فإجمالا لعب النصارى بجمعياتهم وصحفهم التي سترت حقدها على الإسلام بأردية الفكر والسياسة وركوب موجة القومية العربية في مقابل القومية الطورانية المتنامية في دولة الخلافة في ظل انحسار المشروع الإسلامي واضمحلال الجامعة الإسلامية التي جمعت أبناء الشرق طيلة قرون مضت، لعبت دورا كبيرا في تغريب الشرق المسلم باسم: تحديثه ليلحق بقطار الحضارة الإنسانية!، ولقيت تلك المؤسسات احتضانا ودعما من قبل المستعمر الذي حرص كعادته على تقريب كل التيارات المعادية للإسلام من يهود ونصارى وباطنية ........... إلخ.
وكان البند الثالث من بنود الخطة الجديدة التي وضعها لويس التاسع لغزو الشرق المسلم بعد فشل سياسة الغزو العسكري:
العمل على استخدام مسيحيي الشرق في تنفيذ سياسة الغرب.
"العلمانية"، ص536.
وكان من كبار قادة تلك الحركة التحريرية التنويرية من النصارى الذين قاتلوا جنبا إلى جنب مع إخوانهم من العلمانيين أمثال: قاسم أمين وسعد زغلول وفرقته الباسلة رجالا ونساء! وأحمد لطفي السيد وعبد العزيز فهمي وإسماعيل مظهر ......... إلخ، كان من كبار قاة النصارى في تلك الحملة التغريبية الشرسة:
جورجي زيدان: الكاتب الماسوني الذي تفنن في تلفيق التهم للسلطان عبد الحميد، رحمه الله، فهو السلطان الأحمر الذي يستمتع بإراقة دماء خصومه، فضلا عن تطاوله على الصدر الأول، رضي الله عنهم، وهم هدف رئيسي في أي غزو فكري سواء أقام به مستشرقون أم مستغربون أم مبتدعة حاقدون، وقد تولى الرد على افتراءاته على الصحب، رضي الله عنهم، الشيخ الهندي: شبلي النعماني رحمه الله.
وشبلي شميل الداروني، وزميله سلامة موسى، فقد أشهرا إلحادهما وكفرهما بكل دين، مع أن الأخير كان عضوا في جمعية الشبان المسيحيين!، ولعلها كانت ردة تكتيكية اقتضتها ظروف المعركة التي يمرر فيها الكفر والإلحاد تحت شعار الموضوعية والحيادية اللادينية، فلا بد أن يكون المقاتل: ملحدا، ولو في الظاهر، وإن كان يخفي في صدره صليبية متعصبة.
ومن مأثورات سلامة موسى قوله متحدثا عن نفسه:
"إنه شرقي مثل سائر مواطنيه ولكنه ثار على الشرق عندما أيقن أن عاداته تعوق ارتقاءه، ودعا إلى أن يأخذ الشرقيين بعادات الغربيين كي يقووا مثلهم، ولكنه لم يجن من هذه الدعوة غير الكراهية والنفور، وأحس بالتناقض العميق بينه وبين المجتمع وأهدافه الثقافية والسياسية والروحية تنأى عن عادات مجتمعه، إنه ليخالف سائر الكتاب إذ هو إن كان يكتب بالعربية فإنه يفكر تفكيراً أوروبيا". اهـ
فهي دعوة إلى العلمانية الأوروبية، وإن كانت ملحدة لا دينية، فهي على الأقل: أرحم من الإسلام الرجعي!
انظر: "العلمانية"، ص599، و: ص612 مع الهامش.
وتولى: "قسطنطين رزيق" النصراني رئاسة أول جامعة سورية في ظل الاحتلال الفرنسي الذي نظم فلول نصارى الشام في جمعيات ومؤسسات، تسلم أعضاؤها الوظائف العليا في الدولة المدنية اللادينية الجديدة!.
"العلمانية"، ص540، 541.
يقول صاحب رسالة "العلمانية"، حفظه الله وأتم شفاءه، في معرض بيان الجناح الرابع من أجنحة الغزو النصراني الحديث للشرق المسلم: "جناح نصارى العرب":
"ليس غريباً أن يكون أول من دعا إلى العلمانية بشعارها الصريح أو تحت أسماء أخرى كالقومية والوطنية هم نصارى الشرق، فإن الحياة المطمئنة التي كفلها لهم المجتمع الإسلامي – بل المحاباة الزائدة في الكثير من الأحيان – لم تكن لتطفيء نار الحقد المتأججة في صدورهم، وإن كانوا يدركون أن هيمنة الشريعة الإسلامية هي العائق الأكبر لشفاء غيظهم ونفث أحقادهم فقد استماتوا في سبيل إنهاء هذه الهيمنة وإحلال الأنظمة اللادينية محلها. وانطلاقاً من ذلك وجد المخطط اليهودي الصليبي فيهم بغيته المنشودة لهدم الخلافة الإسلامية وبالتالي القضاء على الحكم الإسلامي بعزل الشريعة عن ميدان الحياة وتوجيه المجتمع
ولم يكن يخفي على هؤلاء ما ألحقته العلمانية بدينهم في أوروبا، بل إن ذلك هو الدافع للمناداة بها في الشرق لكي تقضي على الإسلام أيضاً.
¥