وأما اليهود: فكان لهم دور كبير في إسقاط الخلافة العثمانية، بعد رفض السلطان عبد الحميد، رحمه الله، المساومة على فلسطين، فكان لا بد من تنحية ذلك الرجل العظيم، الذي كان بحق، آخر الخلفاء المحترمين، إن صح التعبير، بل لعله كان آخر خليفة إذ لم يكن لمن تلاه من الخلافة إلا اسمها، فهو بمنزلة: "بابا انتقالي للمسلمين إن صح التعبير يكون برزخا بين الخلافة الدينية والدولة اللادينية"، بعد سيطرة أتاتورك على مقاليد الأمور في دولة الخلافة، فتولى: "إيمانويل قره صو" اليهودي ذي الأصول الأندلسية مهمة إبلاغ السلطان عزله نكاية فيه بعد أن طرده السلطان عبد الحميد، رحمه الله، من إحدى جلسات المساومة على فلسطين!.
وكان لا بد من تنحية الإسلام عن قيادة تركيا باستبدال الحركات القومية من قبيل: "جمعية الاتحاد والترقي" به، لتحل العلمانية محل الإسلام دينا جديدا للدولة الكمالية الأتاتوركية.
يقول صاحب رسالة العلمانية، حفظه الله وأتم شفاءه، في عرض سريع لذلك الصراع الذي دار بين الإسلام ممثلا في شخص السلطان عبد الحميد، والعلمانية الممثلة في شخص مصطفى كمال:
"ووقع الصدام المحتوم بين هذه الحركة وبين السلطان عبد الحميد، رحمه الله، الذي كان يروم الإصلاح الحقيقي ممثلاً في دعوته إلى الجامعة الإسلامية وإعلان الجهاد.
وفي سنة 1897 استطاع بحنكته ودهائه أن يشل هذه الحركة ويستميل كثيراً من عناصرها، ولكن الجو الذي خلقته هذه الحركة والأفكار التي نشرتها ضد الإسلام كانت دافعاً مشجعاً لنشوء حركات سرية تأمريه تتمسح بشعارات وأهداف هذه الحركة وتخفي في أعماقها ما لم يكن في الحسبان.
نستطيع القول أن الحركة السالفة الذكر والتي تزعمها مدحت باشا وأعوانه تصور الجانب الذاتي من المأساة، وها قد تهيأ الجو لأعداء الأمة المتربصين كي يقضوا على الإسلام عقيدة وشريعة معتمدين على ذلك الجانب!، (فلم يكن للغرب النصراني أن يحطم خلافة الشرق المسلم إلا بمعاول هدم داخلية استعملها عمالة أو تغريرا للقضاء على الخلافة الإسلامية).
ذلك أنه في تلك السنة نفسها 1897 اجتمع المؤتمر الصهيوني الأول وقرر أن تقوم دولة إسرائيل في فلسطين التابعة لحكم فلسطين التابعة لحكم عبد الحميد.
وبسبب أن السلطان رفض بإصرار المساومة على فلسطين ولكون الحقد اليهودي على الإسلام لم يخمد طوال العصور ونظراً لنجاح التجربة اليهودية في أوروبا فقد اقتضى الأمر تدمير الخلافة العثمانية بثورة شبيهة بالثورة الفرنسية في أهدافها وشعاراتها لتكون فاتحة ظهور دول علمانية في العالم الإسلامي على النمط الأوروبي ومن ثم تفتح الطريق أمام لهدف الأعظم والحلم القديم: "قيام حكومة يهودية عالمية دستورها التلمود وملكها من نسل داوود".
ولا غرابة إطلاقاً في أن تكون اليد الطولى في هذا التدمير لأولئك اليهود الذين وسعتهم سماحة الإسلام حين ضيقت عليهم أسبانيا النصرانية.
ولا غرابة كذلك في أن يجد التلموديون عناصر إسلامية من المغفلين أو ضعاف الإيمان يبذلون تضحيات عظيمة ويشكلون التغطية الضرورية اللازمة للمؤامرة.
من هذين العنصرين: (اليهود الدونمة والمأجورين أو المغفلين من أدعياء الإسلام) تكونت الحركة العلمانية المسماة بحركة: "الاتحاد والترقي" التي تسير وفق طقوس الماسونية العالمية.
ولندع رأي شيخ الإسلام فيهم، (الشيخ: مصطفى صبري رحمه الله مفتي الدولة العثمانية) ولننظر ما قاله "سيتون واطسن":
"إن الأدمغة الحقيقة في الحركة كانت يهودية أو يهودية – مسلمة. وقد جاءت مساعدتها المالية من الدونمة الأغنياء ومن يهود سلانيك ومن الرأسماليين العالميين أو شبه العالميين في فينا وبودابست وبرلين وربما في باريس ولندن أيضاً".
"إن الحقيقة البارزة في تكوين جمعية الاتحاد والترقي أنها غير تركية وغير إسلامية فمن تأسيسها لم يظهر بين زعمائها وقادتها عضو واحد من أصل تركي صاف ... ولم يكن أحد من الناس يجرؤ أن يتنبأ أن هذه الفئة اليهودية المغمورة المعروفة بالدونمة ستلعب دوراً رئيسياً في ثورة كان لها نتائج خطيرة في سير التاريخ".
¥