تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

....... إلخ من التقريرات التي تدل على عمق فهم علماء هذه الأمة للشريعة الخاتمة.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وذلك لأن المتابعة أن يفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعل فإذا فعل فعلا على وجه العبادة شرع لنا أن نفعله على وجه العبادة وإذا قصد تخصيص مكان أو زمان بالعبادة خصصناه بذلك كما كان يقصد أن يطوف حول الكعبة وأن يستلم الحجر الأسود وأن يصلي خلف المقام وكان يتحرى الصلاة عند أسطوانة مسجد المدينة وقصد الصعود على الصفا والمروة والدعاء والذكر هناك وكذلك عرفة ومزدلفة وغيرهما. وأما ما فعله بحكم الاتفاق ولم يقصده - مثل أن ينزل بمكان ويصلي فيه لكونه نزله لا قصدا لتخصيصه به بالصلاة والنزول فيه - فإذا قصدنا تخصيص ذلك المكان بالصلاة فيه أو النزول لم نكن متبعين بل هذا من البدع التي كان ينهى عنها عمر بن الخطاب؛ كما ثبت بالإسناد الصحيح من حديث شعبة عن سليمان التيمي عن المعروف بن سويد قال: كان عمر بن الخطاب في سفر فصلى الغداة ثم أتى على مكان فجعل الناس يأتونه فيقولون: صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر: إنما هلك أهل الكتاب أنهم اتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعا فمن عرضت له الصلاة فليصل وإلا فليمض. فلما كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد تخصيصه بالصلاة فيه بل صلى فيه لأنه موضع نزوله رأى عمر أن مشاركته في صورة الفعل من غير موافقة له في قصده ليس متابعة بل تخصيص ذلك المكان بالصلاة من بدع أهل الكتاب التي هلكوا بها ونهى المسلمين عن التشبه بهم في ذلك ففاعل ذلك متشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في الصورة ومتشبه باليهود والنصارى في القصد الذي هو عمل القلب. وهذا هو الأصل فإن المتابعة في السنة أبلغ من المتابعة في صورة العمل ولهذا لما اشتبه على كثير من العلماء جلسة الاستراحة: هل فعلها استحبابا أو لحاجة عارضة تنازعوا فيها وكذلك نزوله بالمحصب عند الخروج من منى لما اشتبه: هل فعله لأنه كان أسمح لخروجه أو لكونه سنة؟ تنازعوا في ذلك. (ثم ذكر أمثلة لذلك وقال بعدها): ولا يقول عالم بالسنة: إن هذه سنة مشروعة للمسلمين. فإن ذلك إنما يقال فيما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ ليس لغيره أن يسن ولا أن يشرع؛ وما سنه خلفاؤه الراشدون فإنما سنوه بأمره فهو من سننه ولا يكون في الدين واجبا إلا ما أوجبه ولا حراما إلا ما حرمه ولا مستحبا إلا ما استحبه ولا مكروها إلا ما كرهه ولا مباحا إلا ما أباحه، (وذكر أمثلة أخرى ثم عقب بقوله): وأمثال ذلك مما تنازع فيه الصحابة فإنه يجب فيه الرد إلى الله والرسول ونظائر هذا كثيرة فلا يكون شريعة للأمة إلا ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم". اهـ بتصرف من: "مجموع الفتاوى".

وقال في موضع آخر:

"إنَّمَا تَكُونُ الْمُتَابَعَةُ إذَا قَصَدْنَا مَا قَصَدَ وَأَمَّا الْمُشَابَهَةُ فِي الصُّورَةِ مِنْ غَيْرِ مُشَارَكَةٍ فِي الْقَصْدِ وَالنِّيَّةِ فَلَا تَكُونُ مُتَابَعَةً. فَمَا فَعَلَهُ عَلَى غَيْرِ الْعِبَادَةِ فَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْعَلَ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِمُتَابَعَةِ؛ بَلْ مُخَالَفَةٌ". اهـ

وقال في موضع ثالث:

"وَكَذَلِكَ أَكْلُهُ مَا كَانَ يَجِدُ مِنْ الطَّعَامِ وَلُبْسُهُ الَّذِي يُوجَدُ بِمَدِينَتِهِ طَيْبَةَ مَخْلُوقًا فِيهَا وَمَجْلُوبًا إلَيْهَا مِنْ الْيَمَنِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسَّرَهُ اللَّهُ لَهُ فَأَكْلُهُ التَّمْرُ وَخُبْزُهُ الشَّعِيرُ وَفَاكِهَتُهُ الرُّطَبُ وَالْبِطِّيخُ الْأَخْضَرُ وَالْقِثَّاءُ وَلُبْسُ ثِيَابِ الْيَمَنِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ كَانَ أَيْسَرَ فِي بَلَدِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالثِّيَابِ لَا لِخُصُوصِ ذَلِكَ فَمَنْ كَانَ بِبَلَدٍ آخَرَ وَقُوتُهُمْ الْبُرُّ وَالذُّرَةُ وَفَاكِهَتُهُمْ الْعِنَبُ وَالرُّمَّانُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَثِيَابُهُمْ مِمَّا يُنْسَجُ بِغَيْرِ الْيَمَنِ الْقَزُّ لَمْ يَكُنْ إذَا قَصَدَ أَنْ يَتَكَلَّفَ مِنْ الْقُوتِ وَالْفَاكِهَةِ وَاللِّبَاسِ مَا لَيْسَ فِي بَلَدِهِ - بَلْ يَتَعَسَّرُ عَلَيْهِمْ - مُتَّبِعًا لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي يَتَكَلَّفُهُ تَمْرًا أَوْ رُطَبًا أَوْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير