تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالإسلام هو شطحات الحلاج وفصوص ابن عربي وأشعار ابن الفارض وجلال الدين الرومي، فلا عجب أن يهتم المستشرقون بتحقيق وطبع ونشر كتب أولئك على أنها كتب التراث الإسلامي، كما جرى في بيروت في أوائل القرن الماضي، والمنظمات الأممية لا تعرف من الإسلام إلا أولئك، فليس لأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والعز بن عبد السلام والنووي وابن تيمية وابن القيم وابن عبد الوهاب .......... إلخ، رحم الله الجميع، ليس لأولئك نصيب من التكريم الأممي، فهم يمثلون أقطاب محور الشر في مقابل محور الاعتدال الذي يقوده زنادقة المسلمين، أو مخرفوهم إن أحسنا الظن بهم واعتذرنا عنهم، فإن غاية ما يعتذر به عن شطحاتهم أن يقال بأنهم غابوا عن الوعي من شدة الوجد في تلك اللحظات، فذهب عقولهم، فصاروا في حالة هذيان من شهود الحضرة الإلهية!، فتتحول شريعتنا إلى شريعة مجانين، وهي التي ما جاءت إلا لتحرير أولي الألباب من قيد الأسرار والتأويلات، وسجون أمراء الظلام الذين فرضوا الوصاية على عقول أتباعهم بالإرهاب الفكري والجسدي وتاريخ الكنيسة المظلم خير شاهد على ذلك، فهي التي اعتمدت سياسة الفتنة في الدين تنكيلا وقتلا، ومصادرة عقول المفكرين والعلماء بالتكفير والحرمان لكل من خرج عن طاعتها، ولو كان مجال عمله البحث التجريبي، واعتبر بحال التعساء من أمثال برونو وجاليليو، وانظر في المقابل إلى حرية البحث العلمي التي كفلها الإسلام لكوكبة من علماء الشريعة الإلهية المسطورة، وعلماء الطبيعيات التجريبية المنظورة.

ولسان الحال وأنت تسمع مقارنة ذلك العالم اللاهوتي بين ذكر الكواعب الأتراب في القرآن وما ذكر في نشيد الإنشاد:

قول أبي هريرة رضي الله عنه: "يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، ولا يبصر الجذع في عين نفسه". اهـ

ولا قذى في أعيننا أصلا، ولكنه من باب التنزل، فلو صح جدلا أن ذكر الكواعب الأتراب غير لائق أفلا يكون ذكر ما ذكر في نشيد الإنشاد غير لائق هو الآخر من باب أولى، وإذا قبل ذلك الكلام السمج التأويل إلى معان سامية، أفلا يقبل ذكر الكواعب الأتراب ذلك من باب أولى، وذلك تنزل في الكلام لا أكثر، فليس ذكر الكواعب الأتراب، وهي نعمة ربانية جليلة، رزقنا الله إياها، ليس ذكرهم مما يخجل منه المسلم، بل إن إنكاره ردة عن دين الله عز وجل بعد إقامة الحجة وزوال الشبهة لو فرض وجود مسلم يشتبه عليه هذا الأمر البين أصلا!.

لقد بعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليحرر عقول المكلفين من ذلك الطغيان فأبى رؤوس الكفر والبدعة إلا حجب نور الحق عن أتباعهم لئلا يبصروا عوراتهم الفكرية المغلظة!.

والحمد لله على نعمة الإسلام والعقل.

وقد حكم المحققون من أهل العلم باستتابة من أثبت معصوما يجب قبول قوله مطلقا غير النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا حكم من أثبت معصوما آخر مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من قس أو شيخ أو إمام .......... إلخ، لأنه بلسان الحال، بل بلسان المقال قد قرر مصدرا تشريعا موازيا منازعا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بوصفه المبلغ عن ربه، فهو صاحب الشريعة: بلاغا لوحي الكتاب، وإنشاء لوحي السنة، فلم يأت بشيء من عنده: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، بل عاتبه، ربه، عز وجل، لما اختار خلاف الأولى في أمور كأسرى بدر وتوليه عن تعليم ابن مكتوم، رضي الله عنه، لما ترجح عنده أن المصلحة الشرعية الأعظم آنذاك في دعوة رؤوس قريش، فحتى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع كونه رجلا عظيما، بل هو أعظم الرجال على الإطلاق بالمقاييس البشرية الأرضية، مع كل ذلك لم يكتسب وصف صاحب الشريعة إلا من جهة الوحي، فلم يكن له أن يلزم أحدا بطريقته قبل البعثة، وإن كانت حقا، حتى آتاه الله، عز وجل، سلطان الوحي الملزم، فصار لزاما عليه أن يدعو غيره، وأن يقاتل من أبى ظهور الملة الخاتمة، فإن الأرض لله، عز وجل، فلا تحكم إلا بشريعته، وإن لم يكره أبناء البلاد المفتوحة على اعتناقها، فيلزمهم من أحكامها: الجزية عن

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير