إنَّ العقل هو (مستودع) معلومات، وإنَّ القلب هو (مخزن) مشاعرَ. في جهاز الحاسوب هناك (أوامر) مخزنة في الذاكرة، هذه الأوامر تظلُّ جامدةً حتى تجري في الجهازِ حرارة الكهرباء، فيتمكّن الجهاز من تحويل تلك الأوامر إلى (إنجازاتٍ) تشاهدُ عبر الشاشة .. ما في عقولنا من معلوماتٍ عن رمضان وفضائله هو كهذه الأوامر .. تظل جامدةً حتى يتدفق تيار المشاعرِ القلبيّ .. حينئذٍ فقط تتحول إلى عملٍ.
وهذا هو المفتاح الثالث .. أن نحرِّكَ أشواقَ الفؤاد نحو رمضان وعباداتِهِ من خلال تحويل (فضائله) من معلوماتٍ مجرّدةٍ عقلية نسابق الواعظ في ذكرها، إلى مشاعرَ حيّةٍ قلبيّةٍ. لنأخذ مثالاً .. (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه) .. دعونا نجتهد في تحويل هذه المعلومة إلى شعور!
لنقف هنيهةً مع أنفسِنا .. كم هي المعاصي التي ارتكبناها؟
كم مرةٍ نظرنا إلى الحرامِ؟ كم مرة سمعنا الحرام؟ كم مرة نطقنا بما يسخط الله؟ كم مرة قصرنا في حقوق الوالدين والأرحام؟
كم منا من وقع في الفواحش؟
وكم منا من كذب؟
وكم منا من خالط جوفه مالٌ حرامٌ؟
كم في خفايانا من ذنوبِ سرّ لا يعلمُها إلا الله .. يؤرقنا مجرد التفكيرُ فيها؟
ثمّ .. هل فكرنا كم من الرزق حرمناه بسبب هذه المعاصي؟ وكم من التوفيق فاتنا بسببها؟ وكم من العقوبة حلت بنا جراءها؟
ثم .. هل فكرنا فيما ينتظرنا في القبر ويوم القيامةِ من عقوبةٍ لا قبل لنا بها جراء اجترائنا على حرمات الله؟
كل هذا البلاء الآخذ بأكظامِ النفسِ يمكنُك أن تتحرر منه في شهرٍ واحدٍ!!
يا ألله!
شهرٌ واحدٌ تمحو عذابات السنين؟!!
شهر واحدٌ يذهبُ بأوزارٍ كأمثالِ الجبالِ ناءت بها ظهورنا .. ووجلت لها قلوبنا؟
شهر واحدٌ – وربما ليلة واحدةٌ منه - تنفض عنا عوائق التوفيق، وموانع البركة؟
نعم .. هو كذلك رمضان .. يغسلك ياسيدي .. يغسلك بالكليةِ .. ويخرجُكَ نقياً كماء السماء .. أبيضَ كسحابِ السماء .. حراً كهواء السماء ..
هل تدرك قيمة ذلك؟
أقصد .. هل (تشعر) بقيمةِ ذلك؟
شيءٌ آخر في هذا السياقِ ..
هل تدرك الفرق بين عمر بن الخطابِ رضي الله عنه قبل الإسلام وعمر بعد الإسلام؟
هل تدرك الفرقَ بين عبد الله بن المبارك المغنّي شاربِ الخمر وعبد الله بن المبارك العلم الإمام المحدث الرباني؟
هل تدرك الفرقَ بين الفضيل بن عياضٍ قاطعِ الطريقِ اللصّ النهّابِ والفضيل العابد الزاهدِ التقي النقي؟
لقد كان في حياة هؤلاء جميعاً (لحظةٌ) تحول فيها مسار حياتهم، وتبدلت شخصياتهم، واعتدلت بوصلتهم .. إنّها لحظةُ الهدايةِ والتوفيقِ بها صاروا من حال إلى حال.
اصدقني .. ألا تتمنى في حياتك لحظةً كهذه .. تنفضك نفضاً، وتنقلك من الدرك الذي أنت فيه فإذا بك وليٌّ من أولياء الله الصالحين، وعلمٌ من أعلام الأمة العاملين؟
تذكر إذنْ أنّ شهر رمضان الذي (تنجحُ) فيه هو أرجى أوقاتِ حياتك لتحقيق لحظة الهداية هذه.
هل بدأنا نشعرُ (بقيمة) هذا الشهر، وبمقدار ما يمكنُ أن يحدثه في حياتنا من أثر؟!!
بمثل هذا النظر (نحرّك أشواق الفؤاد) ونبعثُ في معلومات (العقل) حياة (القلب) .. ويالها من حياة!
مفتاح النجاح الرمضانيّ الرابع هو (التخطيط المستفاد).
والناس يخططون لكل شيء .. لدراستهم، لتجارتهم، لبيوتهم، بل يخططون حتى لنزههم وإجازاتهم .. ثم هم بعد ذلك لا يخططون لعبادتهم! ولا يخططون للنجاح الرمضاني!!!
وعندي أن التخطيط العباديّ الرمضانيَّ له ثلاثةُ أبعاد:
أولها: منهجةُ العبادة .. بأن تجعل لك منهجاً واضحاً فيما تريد إنجازه من عبادات رمضانية، كن واضحاً .. كم ختمة تريد أن تختم؟ كم مرة ستصلى على النبي في اليوم؟ كم مرة ستستغفر؟ بكم ستتصدق؟ ارسم لك منهجاً واضحاً محدداً لما تريد من عبادات لأن ذلك سيشدّك إلى هدفك ويجعل بين يديك معياراً تحاسب به نفسك يومياً .. واحذر أن يكون كل ترتيبك للعبادة رغبةً مبهمةً غائمةً في الإكثار من الخير.
وثانيها: تفتيت العبادة .. عندما تستعظم عبادةً من العبادة جزّئها وقسّمها على أوقات اليوم وسترى كم هي سهلةٌ!!
¥