تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العلمية والعملية لضد ما أريد منه.

ولا مانع من الجمع بين كل تلك المعاني فالاختلاف بينها اختلاف تنوع لا تضاد، كما ذكر ذلك صاحب "أضواء البيان"، رحمه الله، وأحال إلى رسالة شيخ الإسلام، رحمه الله، في أصول التفسير فقد تعرض فيها لاختلاف عبارة المفسرين على جهة التنوع الذي لا يقع التعارض فيه.

فخلقه إيجادا واختراعا وهداه عناية إلى أسباب الكون والشرع الحافظة، ومن هدايته: الدلالة والإرشاد إلى الحق، ومباشرة أسبابه، والثبات على ذلك حتى مجيء الأجل، ثم الثبات في دار الجزاء على الصراط، ثم الهداية إلى المساكن الطيبة في جنات عدن، على حد قوله تعالى: (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ)، ولذلك كان سؤال الله، عز وجل، الهدايةَ، أول ما يفتتح به العبد دعاء المسألة في سورة الفاتحة بعد التوطئة بدعاء الثناء على الرب جل وعلا، فبعد الثناء بـ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، تأتي المسألة مصدرة بـ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ): هداية تعم كل الصور السابقة، هداية تحصل بها النجاة من كربات الأولى والآخرة.

وفي آيات تاليات يزيد الكليم عليه السلام الأمر بيانا بقوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى).

فجعل، من الجعل الكوني، الأرض مهدا وسلك فيها السبل وأنزل من السماء ماء فتلك: دلالة الاخنراع والإيجاد، وبعدها مباشرة: (فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى): عناية بكم، فالأمر في: (كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ) للامتنان بتلك العناية الربانية، ومن ثم ذيلت الآية بالإشارة إلى المراد الأسمى من تقرير تلك الدلالات، فهي: آيات يستدل بها على الله، جل وعلا، المعبود بحق، فرعا عن كونه الرب المنشئ الرازق، وفي قصر الانتفاع بها على أولي النهى تعريض بمن تنكب عن طريق النبوات فأعرض عنها وكفر بآياتها، فليس له من النهى نصيب إذ لم ينتفع به وإن كان صحيح الآلة العقلية، فما الجدوى من عقل لا ينهى صاحبه عن ورود المهلكات، وأعظمها الكفر بالآيات الشرعيات تكذيبا بخبرها وعصيانا لأمرها.

وقد سيقت الآيات عموما في معرض الاحتجاج على أكفر أهل الأرض قاطبة، إذ جمع بين كفر التكذيب بالربوبية وكفر التولي عن أحكام الألوهية، ولذلك جاء الوعيد على ذينك الوصفين في معرض الزجر: (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 08 - 2009, 08:39 ص]ـ

ومن ذلك أيضا:

قوله تعالى: (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (28) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

فالاستفهام إنكاري توبيخي في معرض تقرير الألوهية بالإنكار على الجافي فيها كفرا يعم كل صور: الجحود والتولي، والشرك بصرف ما لا يصرف إلا إلى الله عز وجل لغيره على جهة التأله اختيارا، فالكفر يعم الشرك، وإن كان الشرك أكثر أفراده وجودا، فغالب الكفار مشركون في توحيد الإلهية على جهة التعيين، وبعضهم قد أشرك في الربوبية ابتداء باعتقاد النفع أو الضر، في غير الله، عز وجل، فدعاهم على جهة الرغب والرهب، فكان إشراكه في الألوهية فرعا عن إشراكه في الربوبية، ولا ينفك المشرك عن نوع شرك في الربوبية وإن أقر بأن الله، عز وجل، هو الموجد، فإنه يعتقد مؤثرا آخر معه على جهة الاستقلال، له من الصفات ما يسوغ طلب الحاجات منه، وهذا شرك الصابئة عباد الكواكب الذين اعتقدوا فيها قوى تأثير في الكائنات والحوادث الأرضية، تستقل

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير