تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يكدح كدح الترس في الآلة، فإذا أصابه عطب ألقي في القمامة واستبدل بترس جديد على طريقة: من لا يعمل لا يأكل!.

والشاهد أن غياب التصور الصحيح للرب الحميد المجيد المتصف بصفات الكمال: جلالا وجمالا، بسلبه أوصاف الكمال، ونعته بأوصاف النقص، حتى سلبته أمم صفة الوجود، فأنكرت ما لا تنكره البهائم، ووصفته أمم بأوصاف البشر التي لا تنفك عن رسم: الفقر الذاتي، الذي لا يصح بداهة في حق الرب الغني المدبر لكونه إذ الفقير يحتاج إلى من يدبر أمره فضلا عن أن يدبر أمر غيره!، بل ووصفته أمم أخرى بأوصاف أخس الموجودات من العالم المشهود، كما وقع من غلاة أهل الحلول والاتحاد، الشاهد أن ذلك:

سبب كل فساد في هذا الكون كما نشاهده في واقعنا المعاصر، وقد عزلت النبوات عن الولاية الشرعية الحكمية، فمن طاعن في أخبارها، بإنكار أمور الإلهيات من أسماء وصفات وأفعال ........ إلخ جحودا وتحريفا وتأويلا كحال الفلاسفة، فهم الأصل في هذا الباب، ومن تأثر بهم من سائر الملل والنحل، أو تمثيلا وتشبيها، كحال النصارى فهم الأصل في هذا الباب، ومن سار على طريقتهم من مشبهة الأمم، ففساد أولئك في العلم ظاهر، ولا ينفك عن فساد في العمل لما بينهما من وثيق صلة، فالعمل فرع العلم كما سبقت الإشارة إلى ذلك مرارا.

ومن طاعن في أحكامها، فيدعي، قصورها عن مواكبة مستجدات الحضارة المعاصرة، فشريعة أصحاب الإبل ذات السنامين لا تصلح لأصحاب البوينج ذات الجناحين!، مع أن الشريعة، لمن تأملها، لا تحرم صناعة الطائرات وركوبها، فليس فيها نص محرم لذلك! بل إنها ما جاءت إلا لتحصيل أكبر قدر من المصالح المعتبرة في الدين والدنيا، ودرء أكبر قدر من المفاسد فيهما، علم ذلك من علمه، وجهله من جهله، إذ ليس من لم يعلم بحجة على من علم، وعدم العلم ليس علما بالعدم، فكل من ادعى تلك الدعوى فإنما ينافح عنها لجهله بالشرع الذي يقدح فيه ليل ونهار وهو أبعد الناس عن علومه وأعماله، فهو عدو ما جهل، والجاهل ليس أهلا للنظر لنفسه فضلا عن أن يكون قدوة لغيره، فلو اشتغل برفع وصف الجهل عن نفسه لكان ذلك أولى له وأنفع.

وإذ كان، عز وجل، هو المتصف بكمال الحياة، كما دل على ذلك التعريض بوصفهم بالموت والفناء، فالنقص لهم لازم، فهو الذي يقدر على إعادتهم من باب أولى، إذ الإعادة أيسر من الابتداء بداهة، والكل يسير عليه، عز وجل، لكمال قدرته، فرعا عما تقرر من كمال حياته الجامعة لكل أوصاف الكمال على جهة الإطلاق والتفرد، فهو الذي: يُحْيِيكُمْ: حياة أبدية في دار النعيم أو دار الشقاء، لا تنفك عن افتقار إليه فهو المبقي لكلا النوعين في داره، فليس بقاؤهم في الأولى أو الآخرة ذاتيا، بل هو فرع عن بقائه، جل وعلا، فهو الأول والآخر مطلقا، وهو الحي في ذاته وصفا لازما المحيي لغيره وصفا متعديا، المتصف بالبقاء الذاتي في نفسه، والإبقاء الفعلي لغيره.

ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ: على جهة الحصر والتوكيد، وقد جاء بيان ذلك في مواضع أخر من التنزيل على حد قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).

فالرجوع المجمل في هذا الموضع قد بينته الآية الثانية: فهو رجوع بقدرته النافذة لتظهر آثار حكمته البالغة بالفصل بين عباده على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)، فبه يظهر وصف الجلال: وصف القدرة، ووصف الجمال: الحكمة، على حد قوله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ)، وبهما يظهر كمال وصف الرب، جل وعلا، الذي ما خلق الكون وأنزل الوحي إلا لتقريره على سبيل الثناء المطلق على من هو له أهل: (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك).

وبعد دلالة الاختراع والإيجاد:

دلالة العناية:

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير