تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إلا ما اختص به كل جنس من أحكام، كأحكام الجمع والجماعات والجهاد والولايات فتلك مما اختص به الرجال، وأحكام الحمل والرضاع والحيض والنفاس فتلك مما اختصت به النساء و: (قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا): فجعل بإرادته الكونية وحكمته الأزلية لكل شيء قدرا.

وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ: فذلك من النهي الشرعي، على ما اطرد مرارا من اقتران أمر الشرع الحاكم بأمر الكون النافذ، فلا تتبعوا خطوات الشيطان الذي حمل فئاما من الناس على التحليل والتحريم بقياس العقل الفاسد أو هوى النفس الجامح، فأحلوا وحرموا من تلقاء أنفسهم دون رجوع إلى الشرع الآمر الناهي، وخطواته: عامة قد دل على ذلك إضافتها إلى المحلى بـ: "أل"، فاستفادت معنى الكثرة، وإن كان جمع الإناث من جموع القلة وضعا، فمعنى العموم الذي يفيد التكثير قد استفيد من الإضافة إلى اللفظ المحلى بـ: "أل"، كما تقدم، وما أكثر خطاه، فله في كل أمر شرعي: مزلقان: مزلق الإفراط تشددا، ومزلق التفريط تساهلا.

وعلة ذلك النهي: إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. قد أظهر العداوة وجهر بالسوء: (قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا).

ثم جاء البيان لتلك الخطوات المجملة:

ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ: فالاستفهام إنكاري إبطالي لتلك الحدود التي وضعتها العقول والأهواء لمضادة شرع الرحمن، عز وجل، وذلك محور سورة الأنعام التي عالجت قضية التشريع الإلهي فرعا عن التقدير الرباني، فصادموا أمر الوحي في التحليل والتحريم، ولا يكون ذلك إلا للرب القدير الحكيم، جل وعلا، فحرموا ما أحل، ولذلك جاء أمر التحدي مذيلا بالشرط إلهابا وتهييجا: نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ: إن كان لما أحدثتموه من الرسوم والشرائع مستند خبري يرجع إليه، إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ: في ذلك الزعم.

ثم جاء الإنكار بعد تمام بيان ما أحدثوه في هذا الشأن:

وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آَلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ: فقيد "ليضل الناس": وصف كاشف لا مفهوم له، إذ اللام للصيرورة فمآل ذلك لا محالة إضلال الناس، ولا يكون ذلك بداهة إلا بجهل وسوء قصد، وإن زعم صاحبه: سلامة النية وحسن المقصد على حد قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)، ثم ذيل بالوعيد: إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ: إلى طاعته وامتثال أمره فتلك كرامة ليسوا لها بأهل، وإن خوطبوا بنصوص هداية البيان والإرشاد على حد التكليف بالامتثال فذلك خطاب عام لجميع المكلفين.

ثم نقض دعواهم بالنص على المحرمات في سياق حاصر، الحصر فيه إضافي بقرينة وروده ناقضا لما ادعوه، على وزان: لا حرام إلا ما أحللتموه، ولا حلال إلا ما حرمتموه، وإن كان جنس الحرام والحلال يعم أفرادا غير المذكورات، فـ: (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير