تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا اختيار الشافعي، رحمه الله، وبه رد الجمهور على استدلال المالكية، رحمهم الله، بهذا الحصر على قصر المحرم في باب المطعومات على الأصناف المذكورات فقط، إذ يصح ذلك لو كان القصر حقيقيا، وإنما هو ادعائي، إمعانا في نقض دعوى المخالف كما تقرر آنفا. فهو على وزان: (قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)، فهو ادعائي في معرض الإمعان في نقض ما هم عليه من الشرك بالتوكيد على ضده من التوحيد بإيراده مورد الحصر الإضافي، إذ قد أوحي إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمور أخر غير ذلك بداهة.

وفصل في بيان المحرمات، إذ الأصل في الأشياء الإباحة امتنانا، فوجب تفصيل المحرم احترازا على حد قوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ).

فذكر المحرمات على يهود من باب العقوبة الكونية، إذ كانت شرعتهم شرعة جلال تربية لنفوس اعتادت الذل والمهانة في رق فرعون، وهي مع ذلك في تناقض عجيب: تكابر فلا تقبل الأمر إلا اضطرارا على حد قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

وفي نهاية هذا السياق بعد بيان أن أمر التحليل والتحريم لا يكون إلا للرب الموجد المنشئ جل وعلا:

جاء التحدي:

قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا: فالاستفهام إنكاري إبطالي، فلا نقل صحيح ولا عقل صريح يشهد لافتراءاتهم وتخرصاتهم.

إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ: فجاء القصر إمعانا في نفي استنادهم إلى أي مستند صحيح فما دليلهم إلا: ظن وتخرص.

قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ: ولكنه شاء كونا أن يضل منكم من ضل لحكمة تفوق مصلحة هدايته: (وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

وإمعانا في التحدي:

قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ: فمنازعتهم الرب، جل وعلا، في أمر التحليل والتحريم مئنة من اتخاذهم إلها عديلا له يشرع بالتحليل والتحريم، وإن لم يصرحوا بألوهيته، فجعله الحكم في المنازعات يحكم فيها بما شاء بلا رجوع إلى وحي الرسالات الحاكمات، جعله الحكم في ذلك: تأليه بلسان الحال وإن نفوا ذلك وأنكروه بلسان المقال، فذلك من معنى الطغيان البين إذ فيه تجاوز الحد في ذلك الطاغوت المعظم المتبوع فيما يأمر به وينهى عنه ولو خالف أمره ونهيه: أمر ونهي الوحي الشارع.

والله أعلى وأعلم.

ـ[محمد التويجري]ــــــــ[25 - 08 - 2009, 07:41 ص]ـ

جزيت خيرا أستاذنا الفاضل

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 08 - 2009, 07:41 ص]ـ

وجزيت شيخنا الفاضل. شكر الله مرورك وتعليقك أيها الكريم.

ثم فصل، عز وجل، فيما تلا من الآيات جملة من المحرمات، إمعانا في إثبات هذا الحق له، عز وجل، فهو الإله الشارع الحاكم أمرا ونهيا، دون ما سواه من آلهة الباطل.

وجملة المنهيات والمأمورات في الآيات التالية تدور، كما قال صاحب التحرير والتنوير على ثلاثة محاور:

الأول: حفظ النظام العام الذي دلت عليه جملة المذكورات على حد النهي في قوله تعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ). وأعظمها بلا شك: الشرك، فهو أصل كل فساد يخل بالحياة إذ هو ناقض للضرورة الأولى من الضروريات: ضرورة التوحيد الذي هو مادة صلاح الكون، فبه يتحقق التوافق بين السنن الكونية والسنن الشرعية فيوحد الإله تألها فرعا عن كونه الرب إيجادا وتملكا، فـ: "له الحمد" فرعا عن:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير