تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

"له الملك".

وتأمل حال المشركين تجد الفساد العريض في الأرواح وإن صلحت الأبدان بوسائل التنعم الظاهر الذي يخفي تعاسة الباطن، وعدم استقرار المجتمعات المشركة، لا سيما في الجوانب الأخلاقية والاجتماعية، إنما هو أثر من آثار ذلك الفساد، وبقدر الإيغال في الشرك يزداد هذا الأثر في الوضوح لخفاء ما يناقضه من أثر النبوات المنجية.

والثاني: ما به حفظ نظام التعامل، وهو الذي يحكم العلاقات العامة بين أفراد الجماعة المسلمة، ويحكم علاقاتها مع بقية الأمم في المباحات من بيع وشراء ........ إلخ، وهو الذي دلت عليه جملة المذكورات على حد النهي في قوله تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

فالأصل الأول: حافظ للأديان، والأصل الثاني: حافظ للأبدان بذكر طرف من المعاملات التي تتعلق منفعتها بالبدن غالبا.

والثالث: هو الأصل الكلي الجامع: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فالصراط المستقيم هو كل ما أمر به الشارع، عز وجل، في العقائد أو الأحكام، في النفس لزوما، أو في الغير تعديا، فاتباعه مظنة النجاة، واتباع غيره مظنة التشعب في مسالك الضلال، ولا يستقل بالدلالة على ذلك الصراط وتفصيل أخباره وأحكامه إلا النبوات، فهي كما تقدم مرارا، أصل كل صلاح في هذا العالم، فبقدر ظهور آثارها يكون الصلاح، وبقدر اندراسها يكون الفساد.

ثم ختمت السورة بعد هذا العرض لأفعال الرب: جل وعلا، على حد الإيجاد والعناية، وأحكامه على حد التأله والديانة، ختمت بالتوكيد على ما تقدم:

قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ:

فتلك من أعظم صور العناية لو تأمل الناظر، فعناية الرحمن الربانية العامة بتيسير أسباب الحياة من متنفس ومطعوم ومشروب ....... إلخ أمر اشتركت فيه الخلائق عامة، بخلاف عناية الرحيم الإلهية فهي خاصة بالمؤمنين الذين استدلوا على وجوب حكمه إلها شارعا، بوجوب أوصاف الكمال المطلق له ربا خالقا رازقا ........... إلخ، فرحمة الرحمن: عناية عامة لكل المكلفين، ورحمة الرحيم: عناية خاصة بالموحدين، وأبرز صورها: رحمة النبوة، ولذلك فسر بعض المحققين كصاحب "أضواء البيان"، رحمه الله، الرحمة في نحو قوله تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا): برحمة النبوة، وأورد لها شواهد من التنزيل من قبيل: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ)، بدلالة السياق المتقدم: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآَنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ).

فالنبوة: رحمة بالموافق فقد دلته على طريق النجاة في الدارين، فهو من أهنأ الناس عيشا في الدنيا، ومن آمنهم في الآخرة، ورحمة بالمخالف فهو آمن في الدنيا في ظل حكمها، وإن هلك في الآخرة لعدم امتثاله حكمها.

وأكد على ما تقدم من إفراد الله، عز وجل، بأفعال التأله، فرعا عن انفراده بأفعال الربوبية بقوله:

قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي: فخص ثم عم، فكل عبادة بدنية وذكر الصلاة مثالا، وكل عبادة مالية وذكر النسك مثالا وإن اجتمع فيه الأمران: فهو مالي من وجه بدني من وجه، بل كل أمر الحياة والممات عموما بعد خصوص: لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: على جهة الاستحقاق والانفراد، وعلة ذلك: أنه رب العالمين ربوبية عامة بها وجدت الأعيان وبها تصلح الأحوال

لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ: فذلك من التذييل المؤكد.

ثم جاء التوكيد على ما تقدم بصيغة الاستفهام الإنكاري الإبطالي هذه المرة من باب التنويع في الخطاب القرآني:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير