تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ: فكيف يصح في الأذهان اتخاذ المربوب الفقير ربا غنيا، وحال المربوبات الأرضية شاهد بالفقر إلى الموجد المعد الممد بأسباب البقاء، شاهد بالنقص فهي إلى زوال، فأين ذلك من وصف الرب، جل وعلا، الحي القيوم فلا يفتقر إلى ما يقيمه من الأسباب، وليس لحياته علة فهي وصف ذاتي ملازم له على حد الكمال المطلق فلا يعتريها ما يعتري حياة بقية المربوبات إن كان فيها حياة أصلا، فغالبها أحجار وأموات!، لا يعتريها ما يعتري حياة أولئك من جواز العدم ابتداء، ووجوب الفناء انتهاء وطروء النقص فعجز وكسل ونوم ومرض وموت ......... إلخ، فسبحان الخالق الذي شهد بكماله لسان حال مخلوقاته، فنقصها دليل لمن اعتبر على كماله، إذ الناقص لا يلجأ إلى ناقص مثله إلا إذا كان ناقص العقل!، وإنما يلتجئ إلى الكامل الذي لا يعجزه شيء، ولا يفتقر إلى شيء، وذلك أمر بدهي فطري قد جبلت عليه النفوس، وإنما حجبه غطاء الشرك الغليظ الذي منع نفاذ أشعة التوحيد.

وفي ختام السورة: بيان لمهمة المربوب في دار التكليف فهو مستخلف على حد الابتلاء:

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ: فيقع الابتلاء الشرعي بما أوتي المكلف بمقتضى الأمر الكوني فمن أوتي مالا فله ابتلاء، ومن أوتي جاها فله ابتلاء، ومن أوتي قوة في البدن فله ابتلاء، ومن أوتي قوة في العقل فله ابتلاء، فكل يبتلى لتظهر آثار الحكمة الربانية التي يترتب عليها العقاب والثواب:

إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ: فذلك قانون الثواب والعقاب الإلهي، فمن أحسن السيرة في خلافته فله المغفرة والرحمة، ومن أساء فله الضد ولا يظلم ربك أحدا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 08 - 2009, 08:01 ص]ـ

ومن صدر سورة الأنعام:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ:

الحمد لله: على جهة الاستغراق لمعاني الحمد قدرا ووصفا، فله، عز وجل، من المحامد المطلقة، ما لا يحد، فلا تطيق العقول دركه، ولا الألسنة لهجه، فهو مما استأثر الله، عز وجل، بعلمه على جهة الكمال، وأعلم عباده منه ما تطيقه مداركهم على جهة الابتلاء، بإفراده بالحمد: باطنا وظاهرا، وشكره على النعم: قلبا وقالبا، وفي التوطئة بذلك ما يمهد لما بعده من أسباب استحقاقه، عز وجل، الحمد، خبرا وإنشاء، فشفعت المسألة بدليلها إمعانا في تقرير الحجة، على ما اطرد من طريقة التنزيل في شفع نصوص الهداية الخبرية بأدلة البيان العقلية، فله الحمد، وحده، لاتصافة بـ: خلق السماوات والأرض، وتلك من دلالة الاختراع والإيجاد على غير مثال سابق، وهو مما أعجز به خلقه في مقام التحدي، على حد قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ): فالأمر للتحدي في معرض بيان بطلان تلك الآلهة فرعا عن عجزها عن خلق شيء في الأرض أو السماء فضلا عن خلقهما على هذا النسق البديع المحكم، فإذا تقرر بطلان ربوبيتهم لعجزهم عن إيجاد مثلها، والعجز عن الإيجاد والاختراع صفة المخلوق الناقص الذي غايته أن يحاكي خلق الله، مع استناده إلى أصل سابق، فيحاكي الطير بالطائرة، وشتان طير حي حساس، تسري في عروقه دماء الحياة، وجرم حديدي أصم لو أصابه عطب ما استطاع التفاعل معه: تفاعل الطائر الحي مع ما يعرض له من العوائق الكونية، إذ مادة الروح السارية فيه قد أكسبته عقلا، وإن كان ناقصا، له من القوى الباطنة وقوى التخيل ما يجعله يميز الأمن من الخطر، والنجاة من الهلاك، فله من القدرة على تدبير شأنه ما فارق به صنع الإنسان الجامد الذي يفتقر إلى قائد، وهذا أمر مطرد في معرض بيان الفارق بين الخلق الرباني البديع، والخلق البشري الحادث فليس له منه إلا التحويل من صورة إلى صورة لا إبداع ما لم يكن ابتداء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير