تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[29 - 08 - 2009, 08:26 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آَيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ):

على تقدير عامل دل عليه السياق، من قبيل: وأرسلنا إلى ثمود.

وذكر وصف الأخوة: فيه مزيد استمالة وتأليف لهم، وإن كانت أخوة نسب توجب نوعا من المحبة والميل الطبعي الكوني، فالنفوس قد جبلت على الميل إلى القريب سواء أكان من الأهل أو العشيرة أو القبيلة أو المحلة، فلا يلام الإنسان على هذا الميل الفطري إلا إن كان ذريعة إلى التفريط في الأمر الشرعي، كأن تقدم هذه المحبة على المحبة والميل الشرعي الديني إذا تعارضا، فذلك مما يقدح في عقد الولاء والبراء، ولذلك كان من وصف أهل الإيمان عند وقوع هذا التعارض واستحالة الجمع بين المحبتين: (كُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)، و: (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)، والود: خالص المحبة ولا يكون ذلك إلا لله، أو في الله، فهو، تبارك وتعالى، المراد لذاته، بخلاف غيره، فإنما يراد لغيره، فمن أحب شيئا إما أن ينعم به، إن كان حبه على طريقة الشرع، فيكون مرادا لغيره، إذ به يحصل ذلك النعيم فهو الذريعة إليه، وإما أن يعذب به، إن كان حبه على طريقة الطبع، ولا يخلو حينئذ من حظ نفس يوجب ميلا على خلاف مراد الشرع، وذلك مظنة العذاب العاجل والآجل، على حد قوله تعالى: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)، فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره، فإذا أكثر من ذكر غير الله، عز وجل، تعلق بذلك الغير وتعلق بذلك الغير ووكل إليه، ومن وكل إلى غيره، هلك، إذ ليس ذلك الغير عليه بحريص، بل هو مثله فقير يسعى إلى تحصيل حظه، ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى طَاعَتِكَ)، فإن القلوب إذا صرفت تلقاء غير الله، أصابها من الفاقة ما يفسدها، فحياتها في ذكر المعبود، جل وعلا، فهو مادة صلاحها، وهلاكها في ذكر غيره، فهو مادة فسادها، ورحى المعركة بين الذكرين دائرة لا تتوقف إلا مع لفظ آخر نفس مقدر للعبد.

قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ: فشفع المسألة بدليلها، فهو وحده المعبود بالحق، إذ هو وحده، جل وعلا، الإله الحق، وألوهيته قد دل عليها:

ورود البينة الخارقة على غير مثال سابق في معرض التحدي، فذلك مما حدت به الآية الكونية أو المعجزة التي يجريها الله، عز وجل، على أيدي رسله، عليه السلام، تأييدا لهم، فـ:

قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ: وقد نكرت تعظيما فهي بينة جليلة القدر وآية كونية عظيمة الشأن، فلا يقدر عليها إلا من له تمام التصرف في الكون، فهو وحده المستحق لكمال التأله بالتزام الشرع.

فابتداء غايتها من الرب، جل وعلا، إذ لا يقد على إجراء مثلها، وفيها ما فيها من خرق السنن الكونية المطردة على وجه غير مالوف، بل غير مقدور لأحد من البشر، في معرض التحدي والإعجاز الكوني، كما تقدم، لا يقدر على ذلك إلا رب له من كمال التصرف الكوني ما يوجب كمال التأله الشرعي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير