تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 08 - 2009, 07:35 ص]ـ

ومن قوله تعالى:

(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ: فهو الرب، جل وعلا، الذي له من وصف الخلق على غير مثال سابق، ما بدع به السماوات والأرض على حد الاختراع، كما اطرد من تصدير قضية التأله للإله المعبود بحق، بدليل الربوبية العامة على حد الإيجاد، فإن من له كمال الخلق، إذ أوجد وأعد وأمد، هو الذي يستحق كمال التأله على حد التعبد والتذلل، كما اطرد مرارا، فأنشأها على غير مثال سابق فهو، كما يقول صاحب السلم رحمه الله:

باري البرايا منشئ الخلائق ******* مبدعهم بلا مثال سابق

ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ: استواء يليق بجلاله، إذ له من علو الذات والأوصاف منتهاه، فعلا على أعظم المخلوقات بذاته على حد الاستغناء المطلق، إذ له من علو القهر الكوني بصفات جلاله ما صير الخلق كلهم إليه فقراء، فلا غنى لهم عن ربوبيته، ولا غنى لهم عن التأله له سدا لفاقة قلوبهم إلى رب مدبر، إذ وصفه:

يُدَبِّرُ الْأَمْرَ: فيدبر الأمور الكائنة بالأوامر المكوِّنة، ويدبر أحوال عباده بأمره الشرعي، فهو العالم بما يصلحهم، فشرع لهم من الأحكام ما يدبر أمر حياتهم على أحسن وجه، فله التدبير الكوني للأبدان: بالأغذية الطبيعية والتدبير الشرعي للأرواح: بالأخبار والأحكام الإلهية، فحمل: "أل" في الأمر على الجنسية التي تستغرق عموم ما دخلت عليه فتشمل كل صور الأمر: كونا وشرعا، حملها على ذلك: أبلغ في وصف الرب، جل وعلا، بـ:

الكمال الذاتي فمنه تدبيره الكوني، إذ لا يدبر أمر هذا الكون إلا من كملت ذاته فقامت بها صفات الجلال والجمال على حد الكمال المطلق، فله من القهر ما خضعت به الكائنات كلها له، فذلك من جلاله، الذي تتعلق به القلوب رهبة، وله من الرحمة ما جرت به أقدار عنايته ورعايته لخلقه، فهو أرحم بالعباد من أمهاتهم، فذلك من جماله، الذي تتعلق به القلوب رغبة، وبذينك الوصفين: يصلح حال القلب، فبالرهبة يتقي، وبالرغبة يقتفي.

والكمال الفعلي فمنه تدبيره الشرعي، إذ الأمر الشرعي متعلق صفات أفعاله: رضا عن المطيع وسخطا على العاصي، وذلك جار على قياس العقول الصريحة في باب الثواب والعقاب، فمن آمن وأطاع فله الثواب فضلا، ومن كفر وعصى فله العقاب عدلا.

مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ: فهو منزه عن وصف الاضطرار إلى قبول الشفاعة على وزان ملوك الدنيا الذين يقبلون شفاعات الشافعين: استبقاء لودهم أو تأليفا لقلبهم أو كفا لشرهم!، فذلك مئنة من افتقارهم إلى من يشفع عندهم، وإن كان الظاهر بخلاف ذلك، فهم عبيد في صور ملوك، فقراء في صور أغنياء، مطاعون في صورة طائعين!، وذلك الوصف منتف عن الله، عز وجل، بداهة، فلا فضل لمخلوق عليه، ولا حاجة له إلى سواه ليقبل شفاعته اضطرارا.

ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ: على ما اطرد من التقديم بالربوبية على حد الدليل، والتذييل بالألوهية على حد المدلول، فدليل: "فاعبدوه": "ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ".

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير