وقد يقال بأن: "أل" على ما اطرد من دلالتها الجنسية تعم جنس ما دخلت عليه، فتكون بدلالة السياق: رياحا، وإن كانت بدلالة اللفظ: ريحا.
وإلى طرف من ذلك أشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، بقوله:
"وقرأ الجمهور: (الرّياح) بصيغة الجمع وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخَلف: (الرّيحَ) بصيغة المفرد باعتبار الجنس، فهو مساو لقراءة الجمع، قال ابن عطيّة: من قرأ بصيغة الجمع فقراءته أسعد، لأنّ الرّياح حيثما وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرّحمة، كقوله: {وأرسلنا الرياح لواقح} [الحجر: 22] وأكثر ذكر الرّيح المفردة أن تكون مقترنة بالعذاب كقوله: {ريح فيها عذاب أليم} [الأحقاف: 24] ونحو ذلك. ومن قرأ بالإفراد فتقييدها بالنّشر يزيل الاشتراك أي الإيهام، (فتكون نصا في الخير إذ النشر مظنته). والتّحقيق أنّ التّعبير بصيغة الجمع قد يراد به تعدّد المهابّ أو حصول الفترات في الهُبوب، وأنّ الإفراد قد يراد به أنّها مدفوعة دفعة واحدة قويَّة لا فترة بين هبَاتها". اهـ بتصرف.
و: "بشرا": حال مقيدة، وهي قراءة عاصم رحمه الله.
وقد قرأ الجمهور: "نُشُرا": جمع: نَشور على حد: رسل ورسول، فهي: "فعول" تحتمل بدلالة مجاز التعلق الاشتقاقي أو تبادل الصيغ: "فاعل"، فتكون هي الناشرة للسحاب، وتحتمل: "مفعول" فتكون هي المنشورة، باختلاف جهات هبوبها.
ولا مانع من الجمع بين المعنيين، لعدم التعارض، فإعمالهما أولى من إهمال أحدهما، وبذلك يزداد المعنى ثراء في معرض بيان القدرة الإلهية التي هي أصل دلالة الإيجاد، فهو الذي أجراها لتقل السحاب.
وفيها قراءات أخرى تدور على مادة: "نشر".
فهي بذلك أقرب إلى دلالة الإيجاد، بخلاف البشرى بمآلاتها من إخراج الثمار وتطييب الأجواء ............. إلخ، فهي إلى دلالة العناية أقرب.
فبجمع تلك القراءات، ورسمها بلا إعجام واحد، وكلها ثابتة بالتواتر، فهي في حد التنزيل داخلة، بذلك الجمع يزداد المعنى بيانا، إذ هي جامعة، كما تقدم، لنوعي الدلالة محل البحث: دلالة الإيجاد والنشر للأموات ودلالة العناية والبشرى للأحياء.
وإليه أشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، بقوله:
"فحصل من مجموع هذه القراءات أنّ الرّياح تنشر السّحاب، وأنّها تأتي من جهات مختلفة تتعاقب فيكون ذلك سبب امتلاء الأسحبة بالماء وأنّها تحيي الأرض بعد موتها، وأنّها تبشّر النّاس بهبوبها، فيدخل عليهم بها سرور". اهـ
فـ: إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ:
ففيه إطناب بذكر مراحل نشوء السحاب فنزول المطر فخروج الثمر، وفي ذلك إمعان في بيان دلالة العناية بالخلق.
وهو من جهة أخرى دليل على البعث فـ: كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ.
فمن قدر على بعث الحياة من الأرض الموات قادر على بعث ما دبت فيه الحياة ابتداء ثم نزعت بالموت، فردها أهون من ابتداءها، وكلٌ هين على الرب، جل وعلا، فالآية جارية على حد قياس الأولى.
وكما اطرد من الدلالتين لا بد من مدلول تقررانه وهو: "لعلكم تذكرون": أي: لتتذكروا فتلتزموا الأمر الشرعي فرعا عن تأمل الأمر الكوني.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[01 - 09 - 2009, 09:10 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ):
فتلك دعوى الألوهية: زبدة الرسالات وخلاصة علوم النبوات.
ثم خاطبهم بـ: "يَا قَوْمِ": تأليفا، فلا إرب له في أموالهم أو أعراضهم، فـ: (لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، فجعل أجره الشرعي، مطلوب كل العقلاء، والأنبياء أكمل الناس عقولا فهم عليه أحرص وله أطلب، جعل أجره على من قد فطره كونا، فأبدع النوع الإنساني على غير مثال سابق، فهو البديع الفاطر لكل الكائنات على أكمل صورة ظاهرة، وللبشر على أكمل صورة باطنة، صورة: (كل مولود يولد على الفطرة)، وفي ذلك إشارة لطيفة إلى دليل الاختراع في معرض بيان مسألة الألوهية.
¥