تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذلك من دلالة العناية بهم، وأي عناية أعظم من إهلاك عدوهم، فنسبة النعمة إلى الله، عز وجل، من إضافة المفعول إلى فاعله، بالنظر إلى المفعول الكائن في الخارج، ومن إضافة الفعل إلى فاعله بالنظر إلى فعل الإنعام الذي اتصف به الرب، جل وعلا، فصدرت عنه تلك النعمة السابغة بإهلاك العدو الذي سامهم خطة الخسف، وقد عطف الذبح على سوء العذاب: عطف خاص على عام تنويها بشأنه، بخلاف نظم آية البقرة: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ)، فهو من البدل، إذ النص على الذبح والاستحياء في هذا الموضع هو المراد ابتداء فجاء المبدل منه وهو عموم العذاب موطئا لخصوص البدل: القتل والاستحياء، فهو جار على حد بيان المجمل عقيب ذكره، بذكر فرد من أفراده وهو القتل، إذ هو أعظم أذى يقع على البدن، ففي كلا الموضعين: تنويه بشأنه، فمعنى الخصوص بعد العموم تنويها بشأن المخصوص بالذكر في كلا السياقين حاصل إما على سبيل العطف أو البدل، فآل الأمر إلى التنويع في النظم تفننا، وإلى ذلك أشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، بقوله:

"وإنما حكاه القرآن في كل موضع بطريقة تفنّناً في إعادة القصة بحصول اختلاف في صورة النظم مع الحفاظ على المعنى المحكي، وهو ذكر سوء العذاب مجملاً، وذكر أفظع أنواعه مبيّناً". اهـ

ثم ذكرهم موسى عليه السلام بلازم تلك العناية الربانية من وجوب شكر المنعم، جل وعلا، تألها، فالشكر تتعدد آلاته، فللقلب شكر باطن، وللسان شكر ناطق، وللبدن شكر فاعل، فهو جار على حد الإيمان الذي يعم أعمال القلب واللسان والجوارح.

فلو شكرت النعمة لازدادت العناية، ولو جحدت لوجب العذاب لعظم الجناية.

وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ

وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ: فهو الذي تفضل عليكم بنعمه الكونية إيجادا ونعمه الشرعية عناية، لئلا تضل قلوبكم في أودية الملل والنحل والمقالات، فإن أعرضتم عن قبول آثار الوحي النافع، فجحدتم النبوات، وأظهرتم لأتباعها العداوة فليس ذلك بضار الله، عز وجل، شيئا، إذ هو الغني عنكم فله وصف الغنى المطلق خصوصا فذلك من محامده، وله الوصف الجامع لكل أوصاف الجمال المحمودة فهو الحميد على حد المبالغة، فله من كل محمدة أعلاها.

وفي معرض استدلال الرسل عليهم السلام على أقوامهم: جاء الاستفهام الإنكاري الإبطالي في سياق الاستدلال بالإيجاد على واجب الاستسلام والانقياد:

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ:

فقدم ما حقه التأخير إذ هو محط الفائدة فطروء الشك أمر وارد، ولكن المستنكر منه هو الشك في الرب الخالق الرازق، جل وعلا، فهو الإله المستحق للعبودية، فرعا عن اتصافه بكمال الربوبية، فهو الذي أوجد السماوات والأرض على غير مثال سابق، فعطف البيان: "فاطر السماوات" على لفظ الجلالة: "الله" من قبيل عطف العلة الموجبة على المعلول الواجب، فمعنى التأله الواجب لله، عز وجل، الذي اشتق منه لفظ الجلالة، على القول باشتقاقه، فرع عن اتصافه، عز وجل، بوصف: "فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ": فهو من أسمائه المقيدة التي ينتظم الوصف الذي اشتقت منه وهو: فطر السماوات والأرض، في سلك دلالة الإيجاد، فكما كان واحدا في إيجادك وإيجاد السماء التي تظلك فخيره منها لك نازل والأرض التي تقلك فثمرها لك نابت بإذنه الكوني، فمعنى الإيجاد والعناية في ذلك حاصل، فاجعله الواحد في تألهك وإخباتك، كما ذكر ذلك ابن القيم، رحمه الله، في "طريق الهجرتين".

وهو مع الإيجاد والعناية الكونية:

يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى: فتلك عنايته الشرعية بكم إذ لم يتركم سدى هملا، بل أنزل لكم من الكتب وبعث لكم من الرسل ما تهتدي به النفوس وتطمئن به القلوب.

وكان الرد على ما اطرد من كلام أهل التقليد الباطل في العقائد والشرائع:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير