تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، فذلك على حد قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آَبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آَبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ).

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 09 - 2009, 08:10 ص]ـ

وفي سياق تال:

اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ: فجاء الخبر موصولا إشعارا بعلة استحقاق الله، عز وجل، معنى التأله فرعا عن الوصف الذي اشتقت منه الصلة فذلك أبلغ في تقرير المعنى وإسناده إلى المبتدأ من الخبر الصريح من قبيل: الخالق، وإن كان مشتقا كالصلة، فذلك من دلالة الإيجاد، فالله، عز وجل، هو الذي قدر خلق السماوات والأرض، ثم أخرج هذا الخلق المقدر من حيز العدم إلى حيز الوجود فجاء وفق ما قدره، وذلك بخلاف خلق غيره فإنه قد يجيء على غير مراد صانعه، فتمام الإحكام في الصنعة مما انفرد به الرب، جل وعلا، على حد قوله تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) إذ له كمال العلم السابق، وكمال القدرة، وذينك الوصفين، كما تقدم مرارا، مئنة من الإحكام، فعلم قد بلغ في الكمال منتهاه فيعلم ما دق وما جل من أحوال المصنوع، وقدرة لا يعارضها مانع، فهو على كل شيء قدير، وفي التنزيل: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)، فإجابتهم بوصفي: العزة وهي مئنة من القدرة، والعلم، مشعر بعلة ذلك الإحكام الباهر في خلق السماوات والأرض.

وبعد دلالة الإيجاد جاء الإطناب في دلالة العناية إذ هي إلى القلوب أقرب، فالنفس قد جبلت على محبة من يحسن إليها، والإيجاد، وإن كان من أعظم المنن الكونية على العبد، إلا أنه كثيرا ما يغفل عنه، إذ لا يتجدد له من معانيه ما يتجدد له من صور دلالة العناية من توالي حدوث النعم.

فـ: أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ: فتلك من صور العناية المتجددة فلكل فصل ثماره، فيتجدد من أجناس الزرع في كل فصل ما يتجدد معه شعور العبد المسدد بالمنة الربانية الدائمة بخلاف من قصر نظره، فلم ير في ذلك إلا تأثير السبب الظاهر دون استحضار المسبِّب الفاعل، جل وعلا، فهو الذي أجرى السنن الكونية بالمقادير.

وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ: فذلك من تيسير الانتقال بين الأقطار وإن حجزت بينها البحار. وذلك بأمره، عز وجل، الكوني، كائن، فهو الذي يجري الريح، وإن شاء سكنها فتعطلت منافعها، على حد قوله تعالى: (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)

وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ: فسخر المالح والعذب، فذكر الأنهار مستوف لشطري القسمة العقلية: جنس المالح وجنس العذب، وفي التنزيل: (وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ).

وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ: فذلك تسخير الجواهر.

وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ: فذلك تسخير الأعراض. فهي عن تغير حال الجواهر صادرة، فدوران الأرض حول الشمس سبب تغير الفصول، ودوران الأرض حول نفسها سبب توالي الليل والنهار، وميلاد القمر دليل بدء الشهر، ونموه ثم نقصانه ميقات كوني تعرف به الشهور والأيام، وهو حساب بسيط يتقنه الخاص والعام، ولذلك كان من حكمة ورحمة الرب، جل وعلا، أن علق العبادات المؤقتة على ظواهر كونية محسوسة مدركة، فالصلوات قد علقت بحركة الشمس تعلق العبادة بسببها الوضعي، فدلوك الشمس: سببٌ وضعه الشارع، عز وجل، لوجوب صلاة الظهر فلا يطالب العبد بتحصيله بخلاف شرط الصحة الذي يقدر المكلف على فعله فيتوجه الخطاب إليه بتحصيله على حد التعبد للشارع عز وجل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير