تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 09 - 2009, 07:41 ص]ـ

ومن قوله تعالى: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ:

فذلك من دلالة العناية، وقد جاء الخبر موصولا على ما اطرد من تعليق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه الصلة، فذلك أبلغ في التنبيه على الفائدة من ذكر الخبر صريحا، فالله، عز وجل، هو الذي أنزل من السماء ماء، أطلق عن القيد، مئنة من كونه ناصحا خالصا من الشوائب، فذلك أبلغ في تقرير المنة الربانية، ومنه استنبط الفقهاء جواز التطهر بأي ماء يصدق عليه وصف الإطلاق فلم يخالطه ما يخرجه عن حد المائية المطلقة إلى حد التقييد كماء الورد ونحوه، وفي السياق استيعاب لأوجه المنة الربانية من جهة أجناسها، فامتن الله، عز وجل، على بني آدم، كما تقدم، بالإيجاد من النطفة، فتلك نعمة من جنس الآدمية، إذ أخرج لبني آدم من أنفسهم ذرية تقر بها أعينهم، فهي الأنيس العاضد، وامتن عليهم بإيجاد الأنعام، فتلك نعمة من جنس الحيوانية، ثم امتن عليهم بإخراج الثمرات، كما سيأتي، فتلك نعمة من جنس النباتية، واستوعب السياق من جهة أخرى: البر، فعليه تدب الأنعام ومن تربته تخرج الثمار، و: الجو فمنه ينزل الماء، و: البحر، كما سيأتي إن شاء الله، فمنه يؤكل اللحم الطري وتستخرج الحلية، واستوعب السياق، أيضا: جهات الانتفاع، من مأكل ومرعى للأنعام وملبس يحصل به الدفء ومركب، فنعمة الرب، جل وعلا، نعمة سابغة، قد استوعبت كل الماهيات والأنحاء.

ثم جاء تفصيل أوجه الانتفاع بالماء فـ: مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ، فهو متاع لكم ولأنعامكم، فمنه تشربون، ومنه تشرب دوابكم، ومنه شجر ترعاه دوابكم، ومنه زروع وثمار تأكلونها، و: "من" في هذا السياق: جنسية فمن جنس الماء حصلت تلك المنافع، وهي لابتداء الغاية، فابتداء غاية تلك المنن الربانية منه، وتحتمل السببية، فبه كانت تلك المنافع، فالماء مادة الإيجاد، على حد قوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ)، ومادة الحياة على حد قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، فذلك جنس واحد من أجناس النعم الربانية قد تولدت منه كل تلك المنافع الجليلة، فمنه خلقت الذرية، وبه تحيا، وبه تخرج طيبات الأرض، ومنه العذب الذي يشرب منه الناس والدواب، ومنه المالح الذي تعيش فيه الأسماك والحيتان، ويستخرج منه اللؤلؤ والمرجان.

وجاء الفعل مضارعا: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ: مئنة من التجدد والاستمرار واستحضارا لصورة العناية، فذلك آكد في تقرير المنة، واللام في: "لكم" على حد ما تقدم من قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا)، ففيها معنى الاختصاص الذي يزيد عناية الرب، جل وعلا، بعباده بيانا.

ثم جاء الإطناب في بيان أجناس الزروع والثمار، على ما اطرد من تقرير المنة الربانية:

الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ: فذلك من الخصوص المفصل، ثم ذيل بـ: وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ: فذلك من العموم المجمل، فجاء العموم بعد الخصوص زيادة في التقرير المتقدم.

ثم ذيل بعلة ذلك: إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ: ولذلك حسن الفصل على ما اطرد مرارا من شبه كمال الاتصال بين العلة ومعلولها، وكونه آية لقوم يتفكرون تعريض بمن لم ينتفع بتلك الآيات الكونيات، فهو ممن عطل عقله فلا يتفكر، فآلة التكليف صحيحة المبنى معطلة المعنى، فلم يستفد منها إلا إقامة الحجة الرسالية عليه، فقاقد العقل أحسن حالا منه، إذ لا تثريب عليه، بل الدواب والشجر والحجر خير منه، فهي مسبحة بحمد ربها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير