تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الانقسام على حد غير مرغوب فنتج من ذلك من الأورام السرطانية ما تفسد به الأنسجة والأعضاء، إذ قد خرجت عن حد الاعتدال زيادة، كما يصاب الإنسان بالهزال والضعف في آخر أيامه بخروجها عن حد الاعتدال ولكن نقصانا، فإن السماوات والأرض ومن فيهن على العدل قائمة، فلا إفراط ولا تفريط، فمن تتبع تلك العمليات الدقيقة: تساءل في قرارة نفسه: من الذي أصدر الأمر الكوني لتلك الخلايا لتنقسم تلك الانقسامات، ومن الذي أضعف الروابط بين شريطي الشفرة الوراثية ليتباعدا وينتج كل منهما لنفسه زوجا، إذ معنى الزوجية الذي قام عليه أمر الخلق فيهما متحقق إمعانا في بيان معنى الواحدية الذاتية والأحدية الوصفية للرب، جل وعلا، فيمتاز الفرد الغني بملاحظة الزوج الفقير إلى زوجه، ولو في أنوية الخلايا المجهرية، والذرات الكيميائية، فالشريط الوراثي لا يبلغ حد الاعتدال حتى يلتئم مع شريط آخر، والإلكترون السالب لا يبلغ حال الاستقرار مطلوب الذرات الكيميائية إلا بالبروتون الموجب الذي يعادل شحنته، فتصل الذرة إلى حالة السكون الكيميائي الذي تتمتع به الغازات الخاملة، فخمولها: سكون واستقرار تسعى إليه كل الكائنات، ومن الذي جعل القدر الفارق بينهما وهو يقاس بوحدة مجهرية هي الأنجستروم، أو: 1 * 10 أس سالب عشرة من السنتيمتر، من الذي جعله يقف عند هذا الحد فلا يزيد لئلا يقع الطغيان المفسد فتنقسم الخلايا انقساما مفسدا للخلايا والأنسجة، ومن الذي أصدر الأمر الكوني للإنزيمات المكونة والإنزيمات اللاصقة لصناعة مادة الشريط الجديد، ومن الذي قدر بمقتضى حكمته، أن يكون ذلك الانقسام في مراحل القوة والفتوة: على سنن النشاط فخلايا الأطفال أنشط الخلايا تكاثرا إذ ما زالت بكرا لم تعالج ما عالجته خلايا الكبار من أسباب الفساد من التلوث الكائن في الهواء والطعام والشراب على حد ما نراه في عصر الثورة الصناعية التي صار ولاؤها للآلة أعظم من ولائها لمن يصنعها ويديرها!، ومن الذي قدر أن يكون ذلك الانقسام في مراحل المرض والضعف: على سنن الخمول، فأجساد الكبار، بل الشباب في زماننا قد أنهكت، فيكاد الهزال يعصف بها ويكاد المرض بشتى أجناسه يفترسها، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة أمراض تصيب الطبقة المنتجة من المجتمع المسلم من فئة الشباب من قبيل الفشل الكلوي الالتهاب الكبدي والأورام الخبيثة بمعدلات قياسية هي نتاج التفريط في الأسباب الشرعية فلا استغفار ليرفع البلاء، والأسباب الكونية فالضمائر قد أصابها الخراب، فصارت أمعاء الشعوب الإسلامية سلة مهملات تلقى فيها الأغذية الملوثة كيميائيا وبيولوجيا، تحت سمع وبصر كثير من صناع القرار من أصحاب الرياسات الذين غضوا الطرف نظير أعراض فانية، وربما نالهم ونال ذرياتهم من تلك الآفات ما عاد على مرادهم بالإبطال، فقد وسوس الشيطان لكثير منهم أن ذلك مما تحفظ به الأزواج والذرية، ولو كان حراما قد علاه الشؤم، فلا بركة فيه لتحفظ به دنيا أو يقام به دين، ومن الذي أصدر الأمر الكوني لتلك الخلايا لتنشط على حد الزيادة عن الحاجة فيقع من ذلك ما يفسد الجسد من الأورام، فلكل من تلك الأمور الكونية: أمر تكويني نافذ، فبأمر السنة المطردة من الانقسام والنمو الطبيعي تظهر حكمة الرب، جل وعلا، الذي أوجد وأتقن وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وبالأمر الذي يخرج به ذلك النمو عن حد الاعتدال زيادة أو نقصانا تظهر قدرة الرب، جل وعلا، الذي نوع في المقدورات، فخلق الشيء وضده، تقريرا لطلاقة قدرته النافذة، فهي من أخص أوصاف ربوبيته القاهرة، فعافى من عافى فضلا، وابتلى من ابتلى عدلا، وجعل لكل قدر كوني مقابلا من القدر الشرعي، فالمعافى مبتلى بعافيته ليشكر بالقلب واللسان والجارحة، والمصاب مبتلى بإصابته ليحمد ويسترجع ويصبر على حد الاحتساب، فلا يجزع من وقوع المقدور، بل يستعين على دفعه بما شرع له من أسباب الشرع والكون، على حد مباشرة السبب تعبدا لا تعلقا بغير مجري الأسباب، جل وعلا، فإن لم يكن مما يدفع، فلا بديل عن الصبر إلا الجزع الفاضح لصاحبه، المؤنس لكل شامت، المؤلم لكل صاحب، وقانا الله، عز وجل، نظرة العطف من الصاحب، ونظرة الجذل من الشامت.

فتحصل من ذلك أن له، عز وجل، من دلالة الإيجاد في الأنفس والآفاق على حد الاستقلال، فلا عضد له من ملك أو بشر، وإنما الكل لأمره الكوني خاضع، وعليه سائر، ومن صح منهم تكليفه فهو بأمره الشرعي مخاطب، فالكل عبيده على حد الاضطرار، والصفوة منهم عابدوه على حد الاختيار والاصطفاء، فـ: (مَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا)، فإذا كان الملائكة وهم مادة خير خالصة لا شوب فيها من الشر أو الفساد إذا كان أولئك، مع شرف وصفهم وعلو قدرهم، ليسوا له بعضد، بل وصفهم: (عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28) وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ)، فكيف بالبشر الذين تعرض لهم من الإرادات الفاسدة ما يعرض، بل كيف بالمضلين الذين هم أفسد الناس إرادة باطنة وعملا ظاهرا؟!.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير