ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 09 - 2009, 08:59 ص]ـ
ومن ذلك أيضا: دلالة إيجاد الحياة من الجماد على حد الإعجاز في معرض تقرير النبوة، فهو من دلائل العناية الخاصة بالأنبياء عليهم السلام، على حد قوله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ)، فمن نصرهم: نصرهم بالآيات الكونيات الباهرات في معرض الإعجاز إقامة للبرهان المصدق لدعواهم، والمعجز لأقوامهم إلزاما لهم بالحجة وإبطالا لمعارضتهم لها بأجناس السحر والشعوذة.
فمن ذلك:
وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى: فالسؤال عن الماهية، فجاء الجواب مطنبا بذكر اسم: عصاي، والوصف: أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآَرِبُ أُخْرَى، فخص ثم عم، رجاء الاستفسار عن العموم المجمل رجاء الاسترسال في مناجاة الرب، جل وعلا، فذلك من أشرف المقامات، فالحبيب، في عالم الشهادة، لا يمل من مناجاة محبوبه، فيتكلف من الحديث ما لا حاجة له به رجاء سماع صوت المحبوب والأنس بجوابه، ولله المثل الأعلى.
ثم جاءت دلالة إيجاد الحياة على حد الحقيقة لا التخييل كما جرى من السحرة بين يدي فرعون:
قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى: فدلالة: "إذا" على المفاجأة مئنة من عظم تلك الآية الكونية الباهرة، فهي مظنة الدهشة والتعجب، فقد دبت فيها الحياة على نحو خارق للسنة الكونية، فصارت حية تسعى، فجاء الوصف بالسعي وهو المشي الشديد مئنة من كمال الحياة الناشئة فيها على حد الإعجاز، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، وجاء الوصف مضارعا استحضارا لتلك الصورة العجيبة.
قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى: فرجعت إلى هيئتها الأولى، ثم جاء النص على آية أخرى في معرض العناية الخاصة بالكليم عليه السلام بتأييده بالآيات المعجزات فـ:
اضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ: احترازا مما لا يليق بالأنبياء عليهم السلام من الأوصاف المنفرة، فهم أكمل الناس خَلقا وخُلقا وتلك: آية أخرى.
ثم جاء العموم بعد إفراد تينك الآيتين بالذكر لعظم قدرهما وخطر شأنهما: لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى. فهما اثنتان من تسع آيات.
وفي سياق تال في بيان العناية الخاصة بالكليم عليه السلام:
وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى: فذلك إجمال أعقبه البيان فذلك آكد في تقرير المنة الربانية بالعناية الخاصة التي حظي بها الكليم عليه السلام:
إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى: وحي الإلهام الذي فسره ما بعده:
أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي: فتهيأ له من الأسباب الكونية ما وقي به شر فرعون، فمالت إليه القلوب، ولا يكون ذلك إلا بإمالة مصرفها، عز وجل، الذي صرفها على محبته، فذلك من تمام رعايته، عز وجل، الذي دل عليه قوله تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)، فالسياق قد رجح معنى الرعاية دون تكلف وقوع المجاز، فضلا عن كون الرعاية تتعلق بالعين التي تراقب وتحوط المعتنى به، فيكون ذكر العين في الآية من باب: ذكر الصفة إشارة إلى لازمها، وإثبات اللازم لا يستلزم نفي الملزوم أو تأويله، بل البدهي: إثبات كليهما على حد سواء.
ثم جاء الإطناب في تعداد المنن الربانية على موسى عليه السلام:
إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى * وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي: فالاصطناع مظنة الاختصاص والاصطفاء ولذلك أفرد النفس إمعانا في تقرير ذلك المعنى كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
والله أعلى وأعلم.
ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 09 - 2009, 08:49 ص]ـ
¥