تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ)

فذلك من دلالة الإيجاد المعجز، فصدر الآية بتبرئة البتول، عليها السلام، مما قد يخطر بالبال، إذا جاءت بالمسيح، عليه السلام، تحمله، وهو ما وقع فيه يهود من رمي مريم، عليها السلام، بما برأها الوحي منه.

والإتيان بالموصول، جار على ما اطرد من تعليق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه الصلة فذلك آكد في تقريره، فضلا عن كونه توطئة للآية الكونية الباهرة: (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا)، فصدرت النفخة من الروح الأمين عليه السلام الذي نفخ في جيب درع مريم عليها السلام فتحققت صورة السبب، فحملت به بلا أب، فذلك جار على حد ما تقدم من دلالة الإيجاد، ولما كان الأمر خارقا للسنة الكونية على حد الإعجاز بالإيجاد من غير أب وأم كما جرت به العادة، أضيفت تلك الروح الشريفة إلى الله، عز وجل، إضافة تشريف، فهي روح مخلوقة، ولكنها ليست كأي روح، بل هي روح شريفة عظيمة القدر جليلة الشأن، فشرفها من شرف بارئها، وعليه تكون: "من" تبعيضية، إذ عيسى عليه السلام باعتبار جنس الأرواح المخلوقة: بعضها، فهو فرد من أفرادها.

وقد يقال بأن الروح هو: الروح الأمين، عليه السلام، فإضافته أيضا، من إضافة التشريف، ولكن: "من" على هذا الوجه تفيد ابتداء الغاية فابتداء غاية النفخ الذي حصل به الحمل كان منه.

وإضافة النفخ إلى الله، عز وجل، على حد قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ)، فالقرب بالملائكة الذين هم بأمره يعملون، بقرينة: (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ)، فصحت نسبة الفعل إليه إذ فعل الجند مما تصح نسبته إلى الملك فهو الآمر به.

ثم ذيلت الآية بتقرير تلك المعجزة الكونية، فالجعل في قوله تعالى: (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ): كوني على معنى التصيير، وأفرد لفظ الآية: إذ لا يكتمل معنى الإعجاز فيها إلا بضم الأم إلى ابنها، فالأم بمفردها ليست آية، والابن بمفرده ليس بآية، وإنما صارا آية باجتماعهما، وهي آية كونية على حد الإيجاد المعجز يتذرع بها إلى المراد لذاته: التزام الآيات الشرعية، فهي للعالمين: تأملا وتدبرا ليهتدوا بها إلى كمال قدرة الرب، جل وعلا، على الإيجاد، ولو على غير ما اعتادوه من سنة التناسل من زوجين، فيحملهم ذلك على تمام تأليهه بأفعالهم.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 09 - 2009, 08:35 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)

فجاء الشرط في معرض التحدي، بقياس الأولى، ولذلك أطنب في بيان مراحل تكوين الجنين إمعانا في بيان طلاقة قدرة الرب، جل وعلا، في إيجاد الخلق، فذلك يدل من باب أولى على قدرته على الإعادة، وفيه، أيضا، إشارة إلى طلاقة قدرة الرب، جل وعلا، في تنويع المقدورات، فالرب هو الذي يخلق الشيء وضده وهو الذي ينوع في الأحداث الكونية لئلا يتطرق إلى أذهان أهل الإلحاد أن الكون سائر على ناموس ميكانيكي ثابت، فما هي إلا: أرحام تدفع وأرض تبلع بزعمهم!.

ثم أشار إلى وجه آخر من دلالة الإيجاد وهو: إيجاد الزرع النابت من الأرض الميتة، فنشر الأجساد من الأرض الميتة من جنسه، فمن قدر على أحدهما قدر على الآخر بداهة.

ثم جاء التذييل:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير