تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وأما قوله: (يطعم ولا يطعم): فهو دليل عناية الغني، جل وعلا، الذي لا يفتقر إلى سواه، بالفقير الذي يحتاج من يطعمه، فامتن الغني، جل وعلا، على الفقير، بأسباب الحياة، فقدر له، كما تقدم في أكثر من موضع، قوت الأبدان وقوت القلوب، فذلك أمر يتكرر التنويه به بتكرار صور العناية الربانية بالعباد، فثنائية الرب الغني والمربوب الفقير مظنة الإطناب في بيان صور ربوبية العناية في معرض بيان المنة الربانية السابغة، وطباق السلب بين: "يُطْعِمُ"، و: "وَلَا يُطْعَمُ" آكد في تقرير المعنى، إذ الإثبات في معرض الوصف الفعلي المتعدي، والنفي في معرض الوصف الذاتي، فهو الذي يطعم لكمال عنايته بخلقه، ولا يطعم لكمال غناه عنهم، فلا يبلغ أحد نفعه، تبارك وتعالى لينفعه، فضلا عن دلالة الجناس الاشتقاقي بين صورتي الفعل: المبني لما سمي فاعله: "يُطْعِمُ"، والمبني لما لم يسم فاعله: "وَلَا يُطْعَمُ"، إمعانا في إثبات الوصف له على وجه التعيين على جهة الانفراد، ففاعل الإطعام المثبت معلوم، لا شريك له، في أفعال ربوبيته: جلالا بمعاني العزة والقهر أو جمالا بمعاني التدبير والرزق، وفاعل الإطعام المنفي مجهول، إرادة العموم، فلا يطعمه أحد، أيا كان، على وجه الخصوص، ولا يمده أحد بأسباب البقاء والغنى والعزة ......... إلخ، على وجه العموم، فغناه عن خلقه: مطلق، فهو ذاتي لازم باعتبار الوصف، بل فعلي متعد إليهم، فهو المغني لغيره، الممد له بأسباب البقاء، فكل أوصاف الكمال في عباده منه على جهة الإيجاد والإمداد، فأوجد الحياة فيهم وأمدهم بأسبابها، وأوجد البقاء الأبدي فيهم في دار القرار وأمدهم بأسبابه ........... إلخ، وفي المقابل: كل أوصاف الكمال الثابتة له: ذاتية لا تفتقر إلى سبب يوجدها من العدم، فهي أزلية بأزلية الذات القدسية، ولا إلى سبب يمدها بمعاني الكمال فله منها منتهى الكمال الذي لا يعتريه النقص بأي حال من الأحوال.

وإنما خص الإطعام بالذكر لكونه من آكد صور الافتقار، فنفيه من باب التنبيه بالأعلى على الأدنى، فلا يفتقر إلى خلقه في شيء من وصف كماله الذاتي اللازم أو وصف كماله الفعلي المتعدي إلى غيره الذي به يدبر كونه على سبيل الانفراد فلا شريك له في وصف كماله، ولا شريك له في أمره الكوني النافذ.

ثم ذيل بالمراد لذاته:

قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ: فدلالة الربوبية على الألوهية: دلالة التزام وثيق بين متلازمين لا يتصور انفكاكهما، فأمر بالإسلام على حد التحلية بالإيجاب، ونهي عن الشرك على حد التخلية بالسلب، فذلك من جنس النفي والإثبات في شهادة التوحيد.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 09 - 2009, 03:20 م]ـ

ومن قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ):

فخلقنا جنس الإنسان من طين فذلك أصله، ولا يلزم من ذلك أن يبقى الأصل فلا يزول، بل الله، عز وجل، قد حول ذلك الأصل بكلمته التكوينية النافذة إلى جسد حساس متحرك، من لحم وعظم ودم وعصب، فذلك من كمال قدرته التامة، بخلاف من قال بنظرية قدم جواهر العالم وتوالي الأعراض عليها، فالمادة التي خلق منها العالم أزلية قديمة وإنما غاية الخلق تشكيلها على صور وهيئات مختلفة!، وذلك من الفساد بمكان إذ فيه إثبات وصف الأولية والأزلية لغير الله، عز وجل، على حد قول الفلاسفة بقدم العالم واقترانه بالرب، جل وعلا، اقتران المعلول بعلته، وإنما الصحيح أن الجواهر تفنى وتوجد بمشيئة الرب، جل وعلا، فيتحول الطين إلى لحم ودم، فيفنى جوهر الطين ويحدث جوهر اللحم والعظم، ويفنى جوهر

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير