تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ: فذلك من دلائل العناية على حد ما اطرد من الدلائل النفسانية، ومع ذلك: قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ: ففيه إشارة لطيفة إلى ما يلزم العبد تجاه تلك النعمة الكونية من واجب الشكر: بالقلب واللسان والجوارح، فتلك المواضع التي أنيط بها التكليف، فلا صلاح لحال العبد إلا بتحقق الصلاح في الباطن القلبي، والظاهر القولي والفعلي، فيقع التواطؤ بين الباطن والظاهر على حد الإيمان المنافي للنفاق والكفران.

وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ: فتلك من دلالة الإيجاد.

وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ: فذلك جار على ما تقدم مرارا من قياس النشأة الآخرة على النشأة الأولى قياسا أولويا، فمن خلق أولا قادر على الإعادة ثانيا، وقدم ما حقه التأخير: حصرا وتوكيدا على حد القصر الحقيقي فإليه وحده يحشر العباد، وإليه وحده المنتهى.

وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ: فتنوع الأفعال على حد التضاد: إحياء فإماتة، ليل فنهار، مئنة من عموم ربوبيته، جل وعلا، فله طلاقة القدرة على خلق المتضادات على وجه تظهر به ربوبيته الكاملة، وتلك الأفعال جامعة بين الدلالتين: فالإحياء والإماتة من دلائل الإيجاد والاختراع، واختلاف الليل والنهار جامع بين: دلالة الاختراع على غير مثال سابق فإجراء الليل والنهار على هذا الحد من الدقة والاتقان مئنة من طلاقة قدرته على إبداع مصنوعاته، وفيه، مع ذلك، من دليل العناية بالخلائق ما فيه، إذ باختلافهما تستقيم أمور البشر من سكون وحركة، من راحة وعمل، وتصلح الزروع بتوالي الظلمة والضوء عليها على حد يحصل به تمام نضجها، فلو أظلمت الدنيا على الدوام ما حصل البناء الضوئي، ولو أضاءت على الدوام لنال النبات فوق ما يحتاج من أشعة الشمس فاحترقت ثماره وأزهاره.

ثم ذيل بالاستفهام الإنكاري التوبيخي:

أَفَلَا تَعْقِلُونَ: ففيه إشارة بالمفهوم إلى ارتفاع الذم عمن قام به ضد الوصف الذي أنيط به التوبيخ، واستحقاق نقيضه من المدح لامتثال أمر الرب، جل وعلا، بالنظر في الكون تعقلا وتدبرا، فبه يهتدي العبد إلى امتثال حكم الرب، جل وعلا، الشرعي: تصديقا لخبره وامتثالا لأمره، وذلك مراده جل وعلا من عباده لا لحاجة له عندهم وإنما إكراما لهم بالتزام ما فيه صلاح معاشهم الحالي ومعادهم التالي.

بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ: فذلك جار على حد: "أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ"، فجنس المقالة واحد، وإن اختلفت المباني اللفظية، وقد جاء بيان إجمال تلك المقالة في الآية التالية:

قَالُوا أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ: على حد الاستفهام الإنكاري الإبطالي فهو مكذبون للبعث، وإن كان حقيقة في نفس الأمر، فالإبطال باعتبار تصور القائل لا الحكم الثابت، وقولهم: "وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا": إمعان في الاستبعاد وفيه غفلة ظاهرة عما تقدم من قياس الأولى على النشأة الأولى، ثم جاء التمادي في الإنكار: لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآَبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

ثم جاء الرد على ذلك ببيان عموم ربوبيته، جل وعلا، لما هو أعظم قدرا ووصفا منهم، فقدرته على إعادتهم ثابتة من باب أولى، فذلك هلى حد: (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ).

فـ: قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ: فذلك من استنطاق الخصم بالحجة فانتزع منهم اعترافا بالربوبية صح به توجه الإنكار واللوم إليهم لتفريطهم في جانب الألوهية.

(85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير